الحلف الأنغلوساكسوني.. نجاح في إذلال أوروبا.. وفشلٌ في ليّ ذراع روسيا
البعث الأسبوعية – بشار محي الدين المحمد
بعد عام ونيف على بداية الحرب الأوكرانية التي يعلم القاصي والداني أنها كانت بترتيب من الحلف الأنغلوساكسوني الذي يسعى إلى قيادة العالم وحكوماته القوية منها قبل الضعيفة، دون الالتفات إلى إرادة أو رأي الشعوب بما فيها شعوب الغرب ومجتمعاته المتشدّقة بالديمقراطية، تتكشف اليوم أكثر فأكثر الأهداف الدنيئة لهذا الحلف السرطاني، التي تتلخص في إذلال دول أوروبا وتطويق إرادتها السياسية والاقتصادية خدمةً له وللوبياته وكياناته الرأسمالية الطفيلية، إضافةً إلى تطويق بعض القوى الأوروبية على وجه الخصوص بعد أن أينعت رؤوسها، لقتل محاولات بروز حالات كسر للقطبية العالمية السائدة والمستغلة لخيرات الشعوب، وقد نجح هذا الحلف حتى الآن في تحقيق هدفه الأول وظهرت بوادر ذلك منذ الأشهر الأولى للحرب عبر طفرات التضخّم ومشكلات الاقتصاد وجوع الطاقة وتراجع معدلات النمو الذي مُني به المجتمع الأوروبي عموماً، ناهيك عن الفشل السياسي وسقوط الحكومات تلو الحكومات في تلك الدول، مع نموّ متزايد واستلام لليمين الشعبوي المتطرّف للسلطة، وتسويقه على أنه الأمل والحل لشعوب أوروبا التي انتفضت عبر نقاباتها وطلابها وشبابها رافضةً ارتهان بلادها للإدارة الأمريكية و”الناتو” ودفعهم فاتورة حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وما زال المزيد من الدمار والانصياع والارتهان بانتظار شعوب أوروبا التي باتت شعوباً ترزح تحت الاحتلال كمن سبقها من الشعوب التي احتلها الاستعمار الغربي واستباح خيراتها على مدى عشرات السنين.
أما ثاني الأهداف، وأهمّها، فيتمثل في رغبة الحلف في تطويق روسيا كقوةٍ صاعدة عسكرياً واقتصادياً على مستوى العالم، واعتباره لها كعدوٍ استراتيجي ومنافس، لكن واقع الحال يشير حتى اللحظة إلى أن هذا الهدف بشقيه لم يتحقّق، فعلى الصعيد الميداني الروسي، ورغم أن موسكو لم تراهن كثيراً على تشديد قبضتها على أوكرانيا لحسم النزاع لمصلحتها، وذلك لاعتبارات كثيرة، أبرزها البعد الإنساني والحفاظ على حياة جنودها أو حتى على حياة الجنود الأوكران على اعتبار أنهم من الشعب الشرقي الشقيق لشعبها، الذي غرّر به نظام كييف المجرم، إضافةً إلى الآمال الروسية بتحقيق الحل السلمي والسياسي للنزاع عبر التفاوض مع نظام كييف بهدف تحقيق مطالب موسكو الداعية للحفاظ على وحدة وسلامة أراضيها من أي اعتداء أو استفزاز بالأصالة أو الوكالة.. بعد كل هذه المدة من الحرب التي يظن الغرب أنها ستستنزف قوة روسيا العسكرية، نجد أن مؤسسات الغرب نفسه ووسائله الإعلامية ومراكز أبحاثه تشيد بمدى القوة والتحسّن الذي حققه ويحققه الجيش الروسي حتى الآن، ناهيك عن تطوير خبراته والتعلم من أيّ أخطاء أو هفوات قد حدثت خلال مجريات العملية العسكرية الروسية الخاصة، حيث تحقق التحسّن على مستوى وحدات الهندسة والدبابات والدفاع الجوي والقوات البرية والأسطول، على خلاف أوكرانيا التي صدّعت رؤوس حلفائها بالإعداد لهجوم معاكس ساحق تبيّن زيفه مؤخراً من ماريوبول وصولاً إلى إعلان السقوط الكامل لمدينة باخموت على يد قوات فاغنر وتسليمها للجيش الروسي، وهي تُعدّ خط الدفاع الثاني وتؤهّل الجيش الروسي لتحقيق نصرٍ كاسح قريب، ناهيك عن تدمير منظومات الدفاع الجوي لهذا النظام حتى ضمن العاصمة رغم الترويج حول “قوّته وعجز الروس عن اختراقه”، في وقت لا يزال فيه متزعّم نظام كييف يطرق الأبواب ويسافر كرحالة بين بلدان المصفقين له للحصول على أموال دافعي الضرائب من شعوبهم، وأسلحتهم التي لم يستخدمها أساساً وباع معظمها لمصلحته ومصلحة مافيات السلاح والترسانات الغربية، التي حقّقت نموّاً مرعباً على أكتاف إفقار طبقات المجتمع البسيطة، وأكّدت العديد من المؤسسات الغربية أن مهمّة نظام كييف “باتت شبه مستحيلة” رغم كل ما يلقاه من دعم.
وعلى المقلب الآخر، كان هدف هذا الحلف إضعاف روسيا من خلال استنزاف اقتصادها عبر قطع الصلة بينها وبين أوروبا المعتمدة على حوامل الطاقة منها، وحتى عبر شنّ الحرب الناعمة على موسكو، التي تجسّدت بفرض أكثر من 13500 عقوبة أحادية الجانب تشمل بالدرجة الأولى الاقتصاد والنفط والغاز والمواد الخام، إضافة إلى كل جوانب الحياة الأخرى وصولاً حتى إلى السينما والرياضة وكل ما يخطر على البال من عقوبات وصلت إلى حدّ الغرابة، وجاوزت في عددها ما فرضه الغرب من عقوبات على الدول التي ناصبها العداء مجتمعةً.
وفي نظرةٍ متأنّية لتبيان ما الذي حققه الحلف الأنغلوساكسوني فعلياً، فإننا نجد أن لا شيء قد تحقق فعلياً، بل على العكس تحوّل إلى نصر اقتصادي روسي مفاجئ لأسباب يطول شرحها، لكن يمكن إجمالها بعدد من المؤشرات وسرد بعض المقوّمات، فرغم الحرب وبشهادة مؤشرات العديد من الجهات الغربية والدولية فإن الاقتصاد الروسي لم ينكمش إلا بمقدار 2,1 بالمئة، وبشكل مخيّب لتوقعات البنك الدولي التي روّجت توقعات بانكماشه بمعدلات تفوق الـ11 بالمئة، وحتى الناتج المحلي الروسي كان قبل الحرب 1,77 تريليون دولار، والآن هو 1,73 تريليون دولار، مع توقعات من جميع تلك الجهات بأن يحقق هذا الاقتصاد نموّاً مبهراً في نهاية العام الحالي، وهنا يظهر مدى سوء التخطيط الغربي الذي راهن على إسقاط أو إضعاف اقتصاد دولة قوية وغنية بالثروات مثل روسيا، تحتل المكانة الـ11 في القوى الاقتصادية عالمياً، كما تمتلك رابع احتياطي عملات أجنبية على مستوى العالم، ومدى خيبة النظرة الشوفينية “الأطلسية” التي توقّعت أن مقاطعة أوروبا لخامات روسيا لا تعوّض، متناسية وجود الصين والهند والعديد من البلدان التي عزّزت العقوبات الأحادية صلاتها الاقتصادية والسياسية مع بعضها، وشكّلت من هذه العقوبات حجر أساس متيناً يمكن الصعود فوقه لتحقيق النجاح، ناهيك عن أن روسيا بدأت تعود إلى سابق ترتيبها العالمي إن لم نقل أفضل، على الرغم من هذه المقاطعة الأوروبية، لجهة تصديرها للنفط والغاز ومعظم الأقماح والحبوب وبذور الزيت والمعادن النفيسة منها والعادية.
كل ما ذُكر، وما أجمع المحللون والمراقبون عليه سابقاً، يدل بوضوح على أن الجانب الغربي فشل فشلاً ذريعاً في ليّ الذراع الروسية، حتى وإن قام بالنبش والبحث في جبهات أخرى لتسخينها كجبهة “آسيا – الهادي”، فكل ذلك سينقلب على هذا الحلف، بل سيساهم بتسريع حالة كسر القطبية وإرساء السلام العالمي يوماً بعد يوم، التي بدأت تتحقق وأصبحنا نلمس بوادرها ومعطياتها في أصعب مناطق التوتر حول العالم، وذلك بعد أن قرّرت شعوبها استلام زمام مصيرها دون أي إملاءات أو مخاوف من الغرب لتحقيق النموّ والرفاه للجميع.