مجلة البعث الأسبوعية

ظاهرة مقلقة في جامعاتنا .. مدرجات شبه فارغة من الطلبة! الأسباب مؤلمة والحلول ممكنة فهل تتحرك الإدارات الجامعية؟

البعث الأسبوعية – غسان فطوم

بات منظر المدرجات الجامعية والقاعات الدرسية شبه الفارغة من الطلبة ظاهرة ملفتة للانتباه في العديد من الكليات الجامعية في جامعاتنا ككل، وذلك قياساً أو مقارنة بعدد الطلبة المسجلين في كل سنة دراسية، فمن أصل 200 – 250 طالباً وطالبة قد تجد 20 – 30 طالباً وربما أقل!

قدر يرى البعض أن ذلك أمراً عادياً في الكليات النظرية كالآداب والحقوق، والتربية، لكن المشكلة قد نجدها في الكليات العلمية (طب، وهندسات، وصيدلة ..)، ما يعني ان هناك مشكلة ما أدت إلى هذا الانكماش.

والأمر الملفت أن تجد الطلبة بالمئات داخل أروقة الكليات وفي الكافيتريات الجامعية يقضون معظم أوقاتهم، وكأن لا محاضرات عندهم!.

الأسباب عديدة

في لقاء مع عدد من طلبة الجامعة في إحدى المقاصف وسؤالهم عن أسباب هجرة المدرجات رغم وجودهم في الجامعة، لم يتردد أغلبهم بتعليل السبب في عدم توفر المعلومات الجديدة في المحاضرة، بمعنى أنها تفتقر إلى تحديث المعلومات، بالإضافة إلى ضعف أداء الأستاذ الجامعي واجتراره لأسلوب جاف في تقديم محاضراته، أي أنه يجعل من المادة عقدة لدى الطالب بل أن بعض المدرسين قد يتعمد عدم الإعطاء بشكل سلس وواضح، وهناك من علل السبب بجدول مواعيد المحاضرات الذي قد لا يناسب الطلبة الذين يسكنون خارج المدينة، فهم لا يستطيعون التأخر نظراً لصعوبة تأمين وسيلة نقل، وحتى إن وجدت فذلك سيرتب عليهم عبئاً مالياً يجبرهم على عدم النزول للجامعة.

الوضع الاقتصادي

وبرأي البعض أن العامل الأول والأهم في قلة حضور المحاضرة هو الوضع الاقتصادي المزري، الذي يجعل 90% من الطلاب بحاجة للعمل لتأمين الحد الأدنى من المتطلبات المعيشية، وما يحتاجونه من مستلزمات للدراسة، فيما قال آخرون أن العامل الثاني هو عدم التمييز بين مقدرات و مهارات أعضاء الهيئة التدريسية، فالبعض لديه الملكة و المقدرة على إيصال المعلومات للطلاب في المرحلة الجامعية الأولى، بينما آخرون لا يستطيعون العمل إلا في المجال البحثي و مع طلاب الدراسات العليا و بالتالي عندما يتم تكليفهم بمقرارات المرحلة الأولى غالبا سيقرؤون المعلومات على الطلاب قراءة من الكتاب و الطلاب في هذه الحالة سيفضلون القراءة بأنفسهم و عدم إضاعة الوقت بحضور المحاضرة.

وحمل آخرون السبب لوجود الملخصات في المكتبات، وعدم كفاية بعض مقومات ومستلزمات العملية التعليمية الجامعية التي تثني الطالب عن الحضور.

 

أين الإدارات؟

تساءلت الدكتورة غالية صباغ /كلية الصيدلة – جامعة حلب/ : أليس من واجب الإدارات الجامعية البحث عن الأسباب الحقيقية وراء هجرة الطلاب لمحاضراتهم؟، معربة عن أسفها من حال الكثير من طلبة الجامعات الذين لا يقدّرون قيمة المحاضرات التي يلقيها أساتذة لديهم خبرة كبيرة، ويملكون رصيداً ثقافياً مهماً، في الوقت الذي يوجد فيه أساتذة وكأنهم يتحدثون مع أنفسهم أثناء المحاضرة، أي لا يمتلكون مهارة التواصل والإلقاء لدرجة أن بعضهم يقرأ المحاضرة عن الورقة، وإن سأله أحد الطلبة أو حاول الاستفسار لا يبالي بالسؤال مما يترك ردة فعل سلبية عند الطالب تدفعه لعدم الحضور في المرة القادمة.

وقالت الدكتورة صباغ: يجب أن لا نضع اللوم على الوضع الاقتصادي الصعب وقلة المواصلات وغلاء أجورها كأحد الأسباب في قلة الحضور، والدليل هو توافد الطلبة بالمئات إلى الجامعة وتواجدهم في أروقة الكلية ومقاصفها مفضلين ذلك على حضور المحاضرة، وبرأيها هذا أمر مقلق يجب التوقف عنده مطولاً، مشيرة إلى أن القوانين الجامعية على الورق تؤكد على حضور الطلبة إلى الجامعة بنسبة 75% ، بل وأكثر في بعض الكليات لكن المشكلة في تطبيق القانون، مشيرة إلى وجود ضغوط على الأستاذ تمنعه من تنفيذ ما نص عليه القانون!

وتضيف: الطالب المجتهد عندما يشعر بأنه يستفيد يحرص على الحضور، والعكس صحيح، لذلك يجب البحث عن الأساليب والطرق التي تجعل الطالب يتلهف لحضور المحاضرة، بدلاً من الهروب منها واللجوء إلى المكتبات لشراء ملخصات مشكوك بصحة معلوماتها، ومع كل ذلك تتساهل الجامعة بالسماح ببيع النوت داخل وخارج الحرم الجامعي، وهذا بلا شك يشجع الطلبة وخاصة غير المبالين على عدم الحضور، والسؤال: لماذا لا تصدر الإدارات الجامعية قرارات بمنع بيع الملخصات؟!

 

الهروب من المدرجات!

ويرى الدكتور سلمان محمود أن ظاهرة غياب الطلبة عن مدرجات الجامعة مشكلة مقلقة لا يمكن تجاهلها، وإن كانت نسبية وتختلف من كلية إلى أخرى، مشيراً إلى أن السبب الأول يعود لوجود بعض الأساتذة الذين يفتقرون للأسلوب الجاذب أثناء إلقاء المحاضرة، وقلة المعلومات المتجددة الذي تزيد من معارفهم، وبالتالي يكون الحضور خجولاً طالما لا يجد الطالب جديداً فيها، لذا يفضل الطلبة “الهروب” من المدرج عندما لا يجدون أي رصيد ثقافي يدعم قدراتهم.

ولم يخفِ الدكتور سلمان وجود حالة من عدم الثقة بجدوى الشهادة الجامعية وقدرتها على توفير فرصة عمل بعد التخرج، لذلك بات الطالب يفكر بالهجرة وهو على مقاعد الدراسة أكثر من تفكيره بحضور المحاضرة والتزود بالعلوم، بمعنى أصبح اهتمامه الحصول على وثيقة التخرج كيفما كانت وكيفما كان المستوى، بعد أن ترسخت لديه قناعة أن العمل الحر قد يكون مفيداً أكثر من الشهادة.

 

آثار سلبية!

عزوف الطلاب عن حضور المحاضرات في الجامعة بات أحد أسباب تدني المستوى العلمي والإنتاج البحثي في الجامعة، وذلك بحسب الدكتورة منى كشيك الأستاذة في كلية التربية بجامعة دمشق، مشيرة إلى أن هذا الانكماش أو التراجع في الحضور خلّف أثراً سلبياً بالغاً في تكوين مهارات الطالب العلمية والمعرفية، على الرغم من وجود بيئة قانونية ناظمة للعملية التعليمية بالجامعة تلزم الطالب بالحضور، وبينت كشيك أن ظاهرة غياب الطلبة عن المدرجات شبه الفارغة يرسم صورة مقلقة عن الجامعة،  والإنتاج العلمي الغائب والناقص من حيث الجودة العلمية.

 

مؤشرات خطيرة!

وأشارت إلى دراسة أظهرت أن ٧٣% من الطلبة يتغيبون عن محاضراتهم بصفة دائمة أو متكررة لأسباب تتمثل في أزمة المواصلات وغلاءها وعدم قدرة الطلاب على الحضور بصورة يومية و إنما يقتصر حضورهم على الجانب العملي دون النظري لأنه يحتاج منهم التواجد بنسبة 75% من الحضور، إضافة إلى ذلك وجود شعور عند الطلبة بعدم جدوى المحاضرات بسبب خلوها من المعلومات والمعارف الجديدة، عدا عن طرائق التدريس التقليدية الخالية من التحفيز والفعالية والتي ساهمت بوجود اللامبالاة العلمية للطالب وعدم رغبته النفسية في ولوج مدرجات وقاعات المحاضرات ما ترك  أثراً بالغاً في استشراء الظاهرة التي انتقلت عدواها إلى الأساتذة من خلال عدم تقديم دورهم على أكمل وجه!.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تحولت المواظبة على حضور الدروس الجامعية إلى ما يشبه الكماليات بالنسبة للطالب حيث باتت الأساليب المتعددة في الحصول على المحاضرات عاملا مساعداً على انتشار الظاهرة، خصوصاً بعد إيجاد الطلبة لحيل مختلفة من أجل تبرير غيابهم، لذلك من المفروض العمل على تطبيق القوانين والأنظمة الجامعية وعد التساهل.

بالمختصر، الظاهرة لها مؤشرات سلبية فيما يخص المنظومة التعليمية في جامعاتنا، تتعلق أولاً بالمناهج والمقررات والمآخذ الكثيرة عليها، ومدى تطبيق الأنظمة الجامعية وتقيّد الطلبة بها، عدا عن أمور تتعلق بالأستاذ الجامعي، ومدى وجاهزية المدرجات والقاعات، وأمور أخرى تحتاج تحركاً سريعاً من الإدارات الجامعية التي أطالت الوقوف على الأطلال!