مجلة البعث الأسبوعية

ماذا بعد؟ ما العمل؟..

“البعث الأسبوعية” د. مهدي دخل الله

 

ماذا بعد؟ سؤال يتداوله الناس عندنا .. من أبسطهم إلى نُخبهم..

ماذا بعد؟ هي ليست وقفة حائر ، إنها وقفة باحث عن مصير ومستقبل ، والباحث عن المصير أكثر اهتماماً وتوتراً من الحائر ..

ولاشك في أن هذا السؤال يخفي في جعبته سؤالاً أصعب هو : ما العمل؟ ولا يمكن أن تكتمل الصورة إلا بالسؤالين معاً. فالتعامل مع الواقع يستند إلى التشخيص والمعالجة. التشخيص درجتان : الأولى تعتمد التشريح ، أي قراءة الواقع كما هو بكل حيادية علمية ؛ الثانية تلجأ إلى التحليل الذي يضيف للتشريح رأياً وموقفاً ؛ أما المعالجة فتعني الفعل وهو غاية العملية بكاملها ..

ماذا بعد؟ ما العمل؟ هذا كله لم يعد للسوريين ترفاً فكرياً ، ولا شغل من ليس له شغل. بالتأكيد هو ليس دعوة للتأمل ، لأن التأمل بحث في التمني والخيال وإن أخذ طابع البحث عن الحكمة . هذان السؤالان يتعلقان بحياتنا جميعاً ، بمائنا وخبزنا .. أن نعيش أو نصبح أرقاماً متصارعة على بيدق الكبار..

لأول مرة في جيلنا تبدو العلاقة بين الوطن والإنسان علاقة الظفر باللحم والأعصاب ، وعلاقة النبتة بالتربة ، والماء بالنبع . لم يعد الوطن مفهوماً اعتبارياً ، بل أصبح محطة مصير كل منا .. عيشه أو هلاكه . ولم يعد الإنسان مقولة مطلقة لا يشعر بها الفرد في حياته اليومية ، بل أضحى الإنسان هو الفرد عينه بعذاباته اليومية . أصبح الفرد والوطن وجهاً واحداً لعملة واحدة . ولعل هذا الأمر هو الأكثر إيحابية في الأزمة ، وهو المحفز على البحث عن طريق الخلاص الفردي أي الوطني .

الإجابة على السؤالين تبدو صعبة ومعقدة لدرجة أنها سهلة وبسيطة ، ولطالما كان أعقد الأشياء أبسطها ؛ المهم أن تجد نقطة الارتكاز الجوهرية في هذا الواقع كي تنطلق منها . التعقيد ظاهر في تداخل العوامل في “الحالة السورية” ، لكن البساطة تبدو – صدقوا أو لا تصدقوا – أن خيارنا مرتبط تماماً بقدرنا ، وقدرنا واجب ، لذا فخيارنا واجب .. ووحيد .. واختيار الخيار الوحيد سهل حكماً ..

نحن في موقع واضح ، حيث لا طريق إلى الخلف ولا إلى ما حول .. لا يوجد طريق آخر سوى إلى الأمام ، أن نكمل المشوار حتى نهايته وليكن ما يكن . وإن لم يكن أمامك سوى خيار واحد تكون مهمتك سهلة ..

لا شك في أن وضعنا صعب ، لكن أي خيار سوى المتابعة سيكون كمن يحتمي من الرمضاء بالنار ، أو يهرب من الرياح إلى اليم الهائج ..

المتابعة صعبة .. وثمنها صعب ، لكنها أسهل من النكوص أو الذهاب إلى ما حول ، يميناً أو يساراً .. إنه امتحان كبير لجيلنا . لكن ، ألم يقابل أجدادنا الخيار نفسه عندما واجهوا الاستعمار الفرنسي / 1921 – 1946 / ؟ لا يمكن أن يكون جيلنا أقل إصراراً منهم .. هذا يكاد يكون مستحيلاً.