اقتصادصحيفة البعث

آمال موهومة رهن أعمال معدومة..؟!

عبد اللطيف عباس شعبان

شهد النصف الثاني من القرن الماضي إصدار قانون التعاون السكني الذي شجَّع مئات آلاف المواطنين لتشكيل جمعيات تعاونية سكنية تحت مسميات عديدة، ولشرائح وظيفية أو مهنية أو مناطقية، وقد أدى التعاون السكني دوراً كبيراً في تأمين السكن لأعداد كبيرة من المواطنين في جميع المحافظات، وبلغ ذلك ذروته نهاية القرن الماضي، ورغم ما تخلّل التعاون السكني من فساد، تباين نوعه وحجمه بين جمعية وأخرى، فإن جميع الذين استفادوا من مساكن كانوا هم الرابحين بشكل كبير، نظراً للقيمة الرمزية للأراضي التي تمّ منحها للجمعيات، ولتسهيلات القروض التي حصل عليها الأعضاء، عدا عن التسهيلات التي استفادوا منها بخصوص استمهالهم لمرات عديدة في تسديد بقية المستحقات المالية عليهم، كلّ ذلك إلى جانب استفادتهم من انخفاض أسعار مواد البناء وتكاليف البناء والإكساء يومئذ.

واقع الجمعيات التعاونية السكنية بدأ بالتردي خلال العقدين الأخيرين، ولا يزال الخط البياني لهذا التردي في هبوط متسارع، فمعظم الجمعيات التي بدأت بمشاريع جديدة تعاني من الارتفاع الكبير المتصاعد في كلفة البناء، ولم يعد القرض العقاري يلبي النسبة الكبيرة من الكلفة كما هو معهود في القرن الماضي، وأصبحت المبالغ الإضافية المستحقة على الأعضاء كبيرة جداً، بحيث تأخر الكثيرون عن التسديد، بل وتمنّع آخرون لعدم توفر السيولة المالية لديهم، ما أعاق تنفيذ المشاريع ضمن المدة الموعودة، وتسبّب ذلك بارتفاع التكاليف مجدداً نتيجة الارتفاع المتتالي في الأسعار، ولا تزال مشاريع مئات الجمعيات عالقة منذ سنوات!.

الطامة الكبرى تخصّ مئات آلاف المواطنين الذين انتسبوا إلى جمعيات سكنية منذ عشرات السنين، وحتى الآن لم يتمّ تخصيصهم بأية مشاريع، وبعض من عُرِضَ عليهم التخصّص لم يتمكنوا من دفع المبالغ المطلوبة منهم، فتمّ تأجيلهم لمشروع لاحق، ومن طلبوا الانسحاب من الجمعية واسترداد أموالهم عانوا من مماطلات الجمعية في إعطائهم رصيدهم المالي تحت حجة وأخرى، علماً أن قيمة هذا الرصيد كما دفعها العضو دون أية عوائد، لا بل غالباً ينقص المبلغ المعاد للعضو جراء حسميات من الرصيد، عدا عن أن مئات الجمعيات المشكلة منذ عشرات السنين، لم يتمّ تخصيصها بأراضٍ حتى تاريخه، ولم تباشر ببناء أي مشروع سكني، ومدفوعات الأعضاء في الجمعية تكاد تكون معدومة القيمة نظراً لانخفاض قوتها الشرائية الحالية قياساً بقوتها الشرائية التي دفعوها في حساب الجمعية سابقاً، هذا الحساب الذي لم يمنحه المصرف أية عوائد مالية، ما جعل رصيد أكثر الجمعيات غير كافٍ لدفع قيمة الأرض وتحضير رخصة البناء، حال توفرت الأرض للجمعية، هذا التوفر الذي أصبح شبه معدوم، لأن قانون الاستملاك الجديد يفرض حق منح مالك العقار قيمة أرضه بالسعر الرائج الذي أصبح بالمليارات بعد أن كان بالملايين، وليس بمقدور أغلب الأعضاء تسديد المبلغ الكبير المطلوب منهم لهذه الغاية، ولن يجدوا جدوى من القرض المصرفي الذي قد يطلبونه لأنه لم يعد يشكل إلا نسبة قليلة من مجمل الكلفة، وقد يكون من غير الجائز –خلافاً لما جرى في العقود الماضية- منح الجمعيات السكنية أراضي من أملاك الدولة، إلا بالسعر الرائج على غرار الأملاك الخاصة، لأن هذه الأراضي هي ملك كلّ الشعب، ومن الغبن أن تُمنح مجاناً أو بسعر رمزي لشريحة منه دون أخرى.

يظهر من خلال مجمل وقائع الحال والأمد المنظور، أن الكثير من أعضاء الجمعيات التعاونية السكنية رهن آمال موهومة وأعمال معدومة، فجميع أعضاء الجمعيات السكنية الذين لم يكتتبوا حتى الآن على مساكن افتقدوا حلمهم الموعود، وخاصة أعضاء الجمعيات التي لم تباشر حتى الآن بأي مشروع سكني، ما يستوجب ضرورة وجود جهة رسمية عليا تتولى دراسة واقع كل جمعية من الجمعيات في كل محافظة، وموافاة كل عضو من أعضائها -بريدياً– بدعوة لاجتماع يظهر فيها تقرير موجز جداً عن واقعها الراهن، وأن الأعضاء هم الذين يقرّرون حلها الذي ينجم عنه حصولهم على مدفوعاتهم أو الاستمرار بالانتظار، على ألا يخفى على الأعضاء أنه سيترتب على الاستمرار نقص متتالٍ في رصيدهم المالي نتيجة مستحقات أعضاء مجلس الإدارة وصرفياته تحت عنوان وآخر، ونقص كبير متتابع في القوة الشرائية لما يتبقى من هذا الرصيد في ظل الارتفاع المتصاعد في الأسعار، وإن كانت السلطات الرسمية اتخذت سابقاً قرار حلّ الاتحاد العام للتعاون السكني، فلا ضير من قرارات حلّ الجمعيات المتعثرة، لما في ذلك من مصلحة للأعضاء، وحال كان القرار -لجمعية ما- الاستمرار مع الأمل بتحسّن الحال مستقبلاً، يجب اتفاق الأعضاء على منع مجلس إدارة الجمعية صرف أية أموال من رصيدهم لأي سبب كان وقفاً للهدر المتابع للرصيد، ومعالجة هذا الواقع الاقتصادي المتردي لأعضاء الجمعيات السكنية يتطلب تشريعاً رسمياً أعلى بخصوصه، لأن الأعضاء لا حول لهم ولا قوة، فالمتفهمون بحّت أصواتهم، واللامبالون غشيت عيونهم، ومجالس الإدارات موهومون وواهمون!.

*عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية