تمزيق الكتب المدرسية ورميها.. مؤشر سلبي على الواقع التربوي واستهتار بقيمة العلم!
دمشق – لينا عدره
ما أتحفنا به اليوم الأخير للامتحانات في عدد من المدارس، من مشاهد مكرّرة لتمزيق ورمي الكتب بطريقة غير منضبطة، يدلّ على العلاقة المضطربة بين الطلاب والمدرسة، ويمكن اعتباره مؤشراً سلبياً على الواقع التربوي الذي يزداد تراجعاً في ظلّ العديد من الأسباب والتحديات. وطبعاً هذه الظاهرة لا يمكن تعميمها بشكل مطلق، فهناك حالات أخرى تبدّد السوداوية الكاملة في هذا المجال، فقد كان هناك طريقة تعاملٍ مختلفة كلياً وإيجابية مع ظاهرة تمزيق الكتب لأطفالٍ في مدينة جرمانا، حيث قاموا وبدافعٍ شخصيٍّ منهم بجمع أوراق الكتب الممزقة من أمام إحدى المدارس وبيعها لإعادة تدويرها، والتبرّع بثمنها لإحدى الصيدليات لسداد ديون المرضى وفقاً لما عرضته بعض مواقع التواصل الاجتماعي، في لفتة رائعة تعكس وعياً متقدماً وحساً عالياً بالمسؤولية، ومؤشراً مهماً على أن التعاطي بطريقةٍ مختلفة وإعادة النظر في طرق وأساليب العملية التربوية والتعليمية بالتأكيد سيعطي نتيجةً جيدة وجدية.
الدكتور مضر أبو شنين اختصاصي الأمراض النفسية يرى أن ظاهرة رمي وتمزيق الكتب من قبل بعض الأطفال ليست بجديدة بل هي ظاهرة قديمة، شهدت ازدياداً ملحوظاً في فترة الحرب بسبب مظاهر العنف التي عاشها الأطفال لتتحول لكبتٍ وصل لدرجةٍ يُمكِّننا اعتباره مظهراً من مظاهر العنف والتخريب البسيط يترجم بتمزيق الكتب، مشيراً إلى أن فشل العملية التعليمية في جذب الأطفال حوَّلَ المدرسة لمجرد فرضٍ أو واجب هدفه الحصول على العلم فقط، -علماً أن ضعف التحصيل العلمي لدى بعض الأطفال قد يكون سببه عدم امتلاك الطفل نفسه قدرات تُمكِّنه من أن يُحصِّل تحصيلاً علمياً جيداً-، إلا أن مجرد فكرة استيقاظه في وقتٍ مبكر للذهاب إلى المدرسة رغماً عنه كفيلة بجعله يكرهها وينفر منها، مؤكداً أن الفشل في جذب الأطفال للتعلم يتبعه فشلٌ في تنمية مواهبهم على اختلاف تلك المواهب وعلى اختلاف ذكائهم ومهاراتهم، مع الإشارة إلى انحدار جودة التعليم في المدارس نتيجة الحرب، ومع وجود عدد من المدرّسين الذين يقومون بعملية التدريس من دون رغبة أو شغف في صفٍ يتجاوز عدد التلاميذ فيه الخمسين في معظم مدارسنا، إضافةً للصعوبات الكبيرة في مواكبة التطور العلمي الحاصل، لتكون تلك الأسباب كفيلة بأن نصل لمثل تلك النتائج التي حوَّلت المدرسة إلى مكانٍ غير مرغوب به لدى معظم الأطفال، يُجبرون على الذهاب إليه، ما يدفع البعض منهم ولعدم قدرتهم على فعل أي شيء إلى إظهار هذا السلوك البديل الذي نراه مع نهاية كلّ عام دراسي، سلوكٌ يعكس بين طياته شعور الراحة الكبير في التخلّص من هذا العبء وفرحةً بالغة لبدء عطلةٍ صيفية طويلة ستسمح لهم بعمل كلّ ما يرغبون به بعيداً عن ضغط الأهل والمدرسة، وهرباً من الأسلوب السائد والمُّتَبع في غالبية المدارس، والذي يعتمد على الخوف والعقوبة عوضاً عن الترغيب والتشجيع.
وأكد أبو شنين أن التقصير واللوم لا يقع فقط على المنظومة التعليمية، بل يشمل أيضاً الأسرة التي تلعب دوراً أساسياً في تربية الأطفال، إضافةً للبيئة التي ينمو ويعيش فيها الطفل، وخاصةً مع تقليد غالبية الأطفال لأقرانهم، ما يجعل الجميع شركاء في تحمّل مسؤولية ما نراه اليوم من مظاهر غير مطمئنة، من دون تجاهل الأثر السلبي الكبير الذي خلّفته الحرب على أطفالنا، والذي مما لا شك فيه ساهم بشكلٍ أو بآخر في تعزيز شعور كبت العنف في داخلهم جرَّاء ما شاهده أو عاشه الكثير من الأطفال فيها من أحداث مؤسفة، أحد مظاهرها نراه في سلوك الأطفال مع نهاية كلّ عام، سلوكٌ نابع من تلك المشكلات التي يؤكد أبو شنين أنه بحلِّها ستختفي معها كلّ تلك المظاهر.