دراساتصحيفة البعث

أزمة صربيا لا تحل قهراً

ريا خوري

لم تكن البلقان يوماً سوى نار تحت الرماد، ولم تتوقف حالات التوتر إلا في أوقات محدّدة. مؤخراً عاد القلق والتوتر إلى البلقان مع تجدّد أعمال العنف شمالي العاصمة كوسوفو، ومسارعة القيادة الصربية في بلغراد إلى تحريك جيشها إلى الحدود تحسباً لأي طارئ. هذا التوتر ليس فألاً حسناً لأوروبا، وخاصةً في هذا التوقيت الحسّاس الذي تشهد فيه الأزمة الأوكرانية احتقاناً شديداً وسخونةً منقطعة النظير، وقطيعة شبه تامة بين روسيا والقوى الغربية الأوروبية- الأمريكية. هذه الأزمة، مهما بدت صغيرة، ليس هذا أوانها، لأن أي مشكلة في الوقت الحالي، ولو كانت عابرة، يمكن أن تتضخم وتكبر بسرعة كبيرة، وتصبح محطّ تجاذبات ونزاعات دولية أخرى.

الجدير بالذكر أنّ حلف شمال الأطلسي (الناتو) كان قد نشر قوة حفظ سلام قوامها ثلاثة آلاف وثمانمائة جندي منذ حوالي أربعة وعشرين عاماً في كوسوفو.

لقد بدأ التوتر بانتقاد سلوك حكومة كوسوفو أثناء الانتخابات البلدية التي قاطعتها الأقلية الصربية، وما تلا ذلك من اشتباكات مع الشرطة الداخلية وأجهزة الأمن واندلاع أعمال عنف وشغب واسعة. وعلى إثر ذلك، وبقرار من حكومة كوسوفو تمّ الدخول عنوة إلى المباني البلدية في شمال كوسوفو بعد أن أصدرت القيادة الصربية رفع درجة تأهب قواتها المسلحة على الحدود مع كوسوفو.

وكان الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش قد أصدر أمراً بوضع جيش بلاده في حالة التأهب القتالي القصوى، وأمر وحداته العسكرية والأمنية بالتحرك إلى مواقع قريبة من الحدود مع كوسوفو بعدما اشتبك المحتجون مع الشرطة.

قد تتحوّل صربيا، الواقعة في قلب الاتحاد الأوروبي، إلى ساحة تجاذب واصطراع ونزاعات قد تعرّض السلام والأمن والأمان والاستقرار للخطر، خاصة وأن للبلقان في الذاكرة الأوروبية قرائن سيئة جداً، فمنها اندلعت الحرب العالمية الأولى المدمّرة وبقيت أكثر بؤرة أوروبية متوترة إلى يومنا هذا.

الخلاف الكبير بين كوسوفو وصربيا هو من طبيعة الأزمات الخامدة التي جرى التحذير مراراً من انفجارها في قلب القارة الأوروبية، إثر اندلاع الحرب الساخنة في أوكرانيا، وما جرى في الساعات القليلة الماضية من توتر وتصعيد كبيرين ومتسارعين يوحي وكأن الحرب ستندلع في الحال، في وقت قرّر فيه الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش تنحيه عن رئاسة الحزب التقدمي الصربي الحاكم، واقترح انتخاب وزير الدفاع ميلوس فوسيفيتش لقيادة الحزب التقدمي من بعده، وقد يكون هذا التطور المتسارع ليس وليد الأزمة الحالية شمالي كوسوفو مباشرة، لكنه يتفاعل معها بقوة وربما تعقبه قرارات جديدة وخطوات أخرى متلاحقة تلقي بظلالها على منظومة الحكم في بلغراد.

إذا اتسعت هذه الأزمة واستطالت وأصبحت صراعاً ساخناً مفتوحاً، فستضع الاتحاد الأوروبي أمام معضلة جديدة غير محسوبة العواقب، إضافة إلى أوكرانيا، وقد تكون مدخلاً مهماً وواسعاً لإحياء خلافات قديمة تمّ حلّها قهراً في وقت مضى، وما قد يجري هناك لا يبتعد كثيراً عن مجريات التغيّرات الدولية والاتجاه إلى نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب.

وبالنسبة إلى الخلاف بين الألبان الكوسوفيين والصرب ، فهو خلاف تاريخي وعميق، ولا يمكن حلّه قسراً كما جرى قبل عدة سنوات، وإنما باعتماد نهج جديد يستدعي أخذ الحيطة والحذر من انفجار كبير لا حدود له، قد يلتحم مع أوكرانيا ويكون عنوان مرحلة جديدة في القارة الأوروبية.