عنصرية متجددة تغزو الملاعب الأوروبية و”الفيفا” يتدخل بحلول مسكنة
البعث الأسبوعية-سامر الخيّر
أعادت الهتافات العنصرية التي تعرض لها لاعب جناح ريال مدريد البرازيلي فينيسيوس جونيور من قبل بعض الجماهير خلال لقاء فريقه ضد فريق فالنسيا في الجولة 35 من الدوري الإسباني، إلى الأذهان العديد من الحوادث المشابهة والتي أثرت سلباً على متعة كرة القدم، ورغم المحاولات الحثيثة للاتحاد الأوروبي لكرة القدم خلال السنوات الماضية من أجل الحدّ من هذه الظاهرة إلّا أنها لم تنجح في ذلك، فلم تمنع السلوكيات العنصرية في الساحة الرياضية، فضلاً عن أن العنصرية الرياضية في أوروبا ما هي إلا انعكاس لظاهرة وسياق أوسع يترك تأثيراته على المجتمع الأوروبي، ومنه مشجعو كرة القدم.
هذه الظاهرة ليست وليدة عوامل رياضية بقدر ما هي انعكاس لمشكلات سياسية واقتصادية ومجتمعية وثقافية، حيث ترتبط سلوكيات الناس بالوسط المحيط والمؤثر فيهم، فكراهية المختلف في الثقافة والدين والشكل لا يمكن أن تأتي من نفس سوية، ذلك أن التنوع والاختلاف هو إضافة للمجتمعات وتقوية لها، أما ما يتكرر في الملاعب الأوربية الآن من عنصرية، فهو بالتأكيد مرض اجتماعي لا بد من إيجاد علاج له.
ووفقاً للمادة الرابعة من النظام الأساسي للفيفا، يعتبر التمييز من أي نوع ضد بلد أو شخص عادي أو مجموعة من الأشخاص بسبب العرق أو لون البشرة أو الأصل العرقي أو الوطني أو الاجتماعي أو الجنس أو الإعاقة أو اللغة أو الدين ممنوعاً منعاً باتاً ويعاقب عليه بالايقاف أو الطرد، ووفقاً للمادة 2 من نسخة العام 2017 من قانون الفيفا للانضباط، ينطبق هذا القانون على كل مباراة ومسابقة تنظّمها الاتحاد الدولي لكرة القدم.
أما أبرز قضايا التمييز العنصرية التي شهدتها الملاعب فتأتي قضية لويس سواريز مهاجم ليفربول وقتها ضدّ الظهير الأيسر لمانشستر يونايتد باتريس إيفرا عام 2011، عندما اُتهم الأوروغوياني بالتفوّه بكلمات عنصرية تجاه منافسه حيث نعته بـ “الزنجي”، ليصدر في 20 كانون الأول حكم الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم، بتغريم سواريز مبلغ 40,000 يورو وايقافه لمدة ثماني مباريات، وفي 31 من الشهر نفسه، أصدرت لجنة تنظيم اتحاد كرة القدم الإنكليزي تقريرها المؤلف من 115 صفحة، وكانت الخلاصة أنّ لاعب ليفربول أساء إلى صورة كرة القدم الإنكليزية في جميع أنحاء العالم، وأشارت اللجنة إلى أنه بينما وجدت إيفرا شاهداً موثوقاً به، فإنّ أدلة سواريز كانت غير موثوقة وغير متجانسة، واعترف سواريز أنّه استخدم مصطلح “الزنجي”، إلا أنّ إصراره على أنّ المصطلح كان من المفترض أن يكون ودوداً ولطيفاً تمّ اعتباره “غير منطقي ولا يصدّق لأنّ اللاعبين كانا يتجادلان بعصبية واضحة”.
وفي موسم 2014 من الدوري الإسباني رمى أحد مشجعي فياريال موزة على الظهير الأيمن لنادي برشلونة داني ألفيس، وكان رد فعل داني مميزاً حينها، فقد أمسك بالموزة وأكلها قبل أن ينفّذ ركلة ركنية لفريقه، وعاقبت لجنة الانضباط التابعة للاتحاد الأسباني لكرة القدم نادي فياريال بتغريمه مبلغ 12,000 يورو، وفي مباراة إنتر ونابولي في 26 كانون الأول لحساب الدوري الايطالي لكرة القدم، كان كاليدو كوليبالي ضحية هتافات عنصرية أطلقتها جماهير فريق الانتر المضيف، وعاقبت المحكمة التأديبية التابعة للدوري الإيطالي للدرجة الأولى نادي الانتر بعد هذه الحادثة، باللعب خلف أبواب مغلقة في مباراتيه التاليتين على أرضه.
وفي فضيحة عجيبة عام 2019 أثناء مباراة بين كالياري ويوفينتوس في الدوري الايطالي، سمعت هتافات عنصرية من المدرجات تستهدف مهاجم اليوفي الشاب مويس كين، ومع ذلك قرّرت المحكمة التأديبية التابعة للدوري الايطالي للدرجة الأولى عدم معاقبة كالياري معتبرة أنّ الهتافات كانت نادرة، ما أثار غضب العديد من المنظمات التي تكافح التمييز العنصري.
وفي عام 2019 قدّم الاتحاد الدولي لكرة القدم عدة تحديثات فيما يتعلّق بمبدأ عدم التسامح مطلقاً مع العنصرية وأي شكل من أشكال التمييز، ففي حالة اشتراك واحد أو أكثر من مشجعي أي اتحاد أو نادٍ في السلوك الموصوف في الفقرة الأولى، يخضع الاتحاد أو النادي المسؤول للتدابير التالية: فرض عقوبة لعب مباراة مع عدد محدود من الجماهير وغرامة لا تقل عن عشرين ألف يورو على الاتحاد أو النادي المعني، وبالنسبة إلى مكرري الاساءة أو إذا كانت ظروف القضية تتطلّب ذلك، فإنّ الإجراءات التأديبية مثل تنفيذ خطّة وقائية أو غرامة أو خصم نقاط أو لعب مباراة أو أكثر بدون متفرجين أو فرض حظر على اللعب في ملعب معين أو تخسير مباراة أو طرد من منافسة أو الهبوط إلى الدرجة الأدنى، يجب تطبيقها على الاتحاد أو النادي المعني، أما بالنسبة للحكام فيسمح لهم بإجراء ثلاثي بإيقاف المباراة وتوجيه تعليمات إلى سلطات الملعب بقراءة إعلان يدعو المتفرجين إلى إيقاف السلوك التمييزي، وإذا لم يكن لهذا الإعلان التأثير المرغوب، القيام بإذاعة إعلان آخر، وتعليق المباراة وإرسال اللاعبين إلى غرف تبديل الملابس الخاصة بهم لفترة محددة، وبعد التشاور إنهاء المباراة إذا لم يتوقف السلوك التمييزي أو استكمل مرة أخرى.
وأثارت دراسة عام 2018 أثناء المونديال حول لاعبي كرة القدم ذوي البشرة البيضاء والسمراء، حيث وجدت أن اللاعبين السمر أشيد بهم بسبب براعتهم البدنية وسماتهم الجسدية الملحوظة وأدائهم الطبيعي السلس، واللاعبين البيض بسبب ذكائهم وشخصياتهم، فهي بحسب المنتقدين تنطوي على النظرة المبنية على التمييز بين اللاعبين بناءً على لون بشرتهم، سواء أكان عن قصد أم بغير قصد، فهو يسهم في تفشي العنصرية في مجتمع كرة القدم وينشرها على نطاق أوسع، إذ إن التحليل جاء بوصف اللاعبين ذوي البشرة السمراء بأنهم ماهرون بطبيعتهم للأنشطة البدنية التي تجعلهم رياضيين بالفطرة، أقوياء ويمكنهم الركض بسرعة والقفز عالياً، عوضاً عن مقدرتهم على تأدية المهمات المعرفية، وهذا يعيدنا إلى حقبة تجارة الرقيق حين كان سعر الرقيق يحدد على أساس السمات الجسدية، ومقدرة الفرد منهم على تحمل المهمات البدنية الشاقة، بأن يقوم المشتري بالتفحص والتقييم والمفاصلة مع البائع على أساسها، وللأسف نتائج هذه الصورة النمطية هو المسبب الرئيس فيما يحدث داخل ملاعب كرة القدم.
وبالضرورة سيؤدي فرض مزيد من العقوبات القوية على التمييز وخاصة ضد المشجعين سيقلّل من التمييز في كرة القدم، لأنّ معظم الحالات تتعلّق بالجماهير، لكن هذا وحده لا يكفي حيث يتوجب أن يبذل جهدٌ أكبر على المستوى التعليمي وليس فقط على المستوى القانوني، من أجل الوصول لجذور الظاهرة وفي مرحلة متقدمة اجتثاثها.