ازدياد عدد المدخنين الصغار يثير التساؤلات حول فاعلية القوانين وحقيقة تطبيقها
دمشق- لينا عدره
أظهرت الإحصائيات الطبية العالمية أن التدخين السبب الرئيسيّ الأول للإصابة بسرطان الرئة، حيث أثبتت أن نسب المدخنين بين كل 100 إصابة بسرطان الرئة تصل إلى 90% فيما تذهب الـ10% المتبقية لأسبابٍ أخرى، إضافة لما يسببه التدخين من أورامٍ أخرى، أبرزها تلك التي تصيب مناطق كالحنجرة والمثانة والمريء، ليمتد بخطره ويشمل الآفات القلبية أو “الجلطات المنتشرة بين الفئات الشابة التي تدفع بالكثير من الشباب لتركيب شبكات في سن مبكرة”، في ظاهرةٍ ملفتة لم نكن نلحظها في فتراتٍ سابقة، ليكون التدخين السبب الأهم في الإصابة بتلك الأمراض وفق ما أكد اختصاصي الجراحة الصدرية الدكتور نزار عباس مدير مشفى الأسد الجامعي في تصريحٍ لـ”البعث”، أوضح فيه الآثار الكارثية “الصحية والاجتماعية والاقتصادية” التي يتسبّب بها التدخين، على اختلاف أنواعه التقليدي كالسجائر التي تصل كمية المواد السامة في الواحدة منها إلى أكثر من 3000 مادة سامة، أو ما يُسمّى بالسجائر الإلكترونية التي تتنوع فيها النكهات ليتفاقم خطرها كونها مواد كيماوية في الأساس، إضافةً للنرجيلة التي باتت موضة الشباب، وانتشرت بشكلٍ جنوني بين الفئات العمرية الصغيرة.
ولفت عباس إلى أن التدخين بات المنافس الأول لأمراض القلب والأورام التي تتسبّب بأعلى نسب وفيات في العالم، لدرجةٍ تحول فيها أيضاً إلى قاسمٍ مشترك بين تلك الأمراض، فمع تسجيل 20 مليون إصابة سرطان عالمية جديدة سنوياً ووفاة 9 ملايين شخص نتيجة معاناته من مرض السرطان وفق ما بيّنته الإحصائيات العالمية، وما تسبّبه الآفات القلبية من نسبٍ مرتفعة لأعداد الوفيات، يأتي التدخين سبباً رئيسياً بين الاثنين في مؤشرٍ خطيرٍ على تأثيراته الكبيرة التي لم تعد تخفى على أحد، مُتسببَاً بوفاة 8 ملايين شخص سنوياً حول العالم!.
وأوضح عباس أن أضرار التدخين لا تقتصر على الرئة، كونه يدخل إليها بشكلٍ مباشر بل تمتد لتشمل الدم وصولاً للمثانة، مُتَصدِّراً أهم أسباب تشوّه الجنين عند المرأة الحامل، ما جعل من تأثيره تأثيراً عاماً وليس موضعياً فقط على الجهاز التنفسي، مؤكداً صحة ما وصلت إليه النتائج الصادرة عن الأبحاث العلمية التي أثبتت أن التغيّر الحاصل على المقاطع النسيجية أظهر تطور عملية التسرطن والتي تبدأ مع شخصٍ بشرته التنفسية طبيعية، لتبدأ الخلايا عنده بالتبدل بعد سنواتٍ عدة من التدخين ومن ثم تتشوّه، في إثباتٍ إحصائيٍّ بات واضحاً عند كل مُدَخِن سواء من خلال الأبحاث العلمية، أو تجريبي في المخبر. إضافةً لتأثيره الواضح على الدماغ وما يسبّبه من صغرٍ في حجمه وفق ما بيّنته آخر الدراسات التي أظهرت صغر حجم الدماغ عند المدخنين، ليتبيّن بذلك أنه أحد أسباب الإصابة بمرض الزهايمر لما يسبّبه من نقص تروية في الدماغ، منوهاً بإمكانية الجزم وبشكلٍ لا شك به على ارتفاعٍ مخيف لأعداد المدخنين في سورية، حيث باتت ظاهرة التدخين وتحديداً النرجيلة طقساً خطيراً ومصدراً للتباهي بين صغار السن، وخاصةً مع “غياب ثقافة العيب” حسب تعبيره، وتغير المفاهيم الذي قلب الأمور وحوَّل تدخين النرجيلة إلى جلسةٍ عائلية يتشاركها الأهل مع أبنائهم متعامين ومتجاهلين خطرها الكبير الذي يفوق خطر السيجارة العادية، ومُحذِّراً من خطورة ما وصلنا إليه، مع استخدام أنواع من “المعسل” مجهولة المصدر بسبب غياب الرقابة، ما أتاح دخولها وبيعها في كل مكان دون رقيب أو حسيب، منوهاً بأننا لا نلحظ انتشار تلك الظاهرة بهذا الشكل الجنوني إلا في دولٍ بعينها كـ سورية والأردن ومصر ولبنان، وربما بشكلٍ أقل في دول الخليج، مُعللاً السبب لفرض قوانين رادعة في تلك الدول وحظر التدخين إلا في أماكن بعينها، مؤكداً أنه وعلى الرغم من انتشار التدخين بنسبٍ كبيرة في بعض الدول المتقدمة، إلا أن تلك الدول تبذل جهوداً كبيرة في توعية وتثقيف مواطنيها تجاه أضرار التدخين، حيث سجلت نسب المدخنين في مناطق أوربية انخفاضاً أقل منها في أميركا.
والجدير ذكره أن دولاً كالسويد “وتزامناً مع اليوم العالمي للامتناع عن التدخين الذي يصادف 31 أيار من كل عام”، حققت نتائج مهمة جداً في مكافحتها للتدخين، ما جعلها من أوائل الدول العالمية التي ستصبح خالية منه، بعد جهودٍ كبيرة بذلتها خلال سنواتٍ طويلة، لتنخفض نسب التدخين فيها إلى أقل من 5% وتصبح بذلك أول دولة في العالم خالية من التدخين، إضافةً لدولٍ أخرى باتت تفرض وعلى مدار السنوات الماضية إجراءات صارمة للحدّ من استهلاك التبغ، من بينها زيادة الضرائب على منتجاته وتنفيذ حملات توعية شاملة حول مخاطره الصحية.
ولا بدّ أيضاً من الإشارة إلى أن الجهات المعنية” الطبية والقانونية والتشريعية” في سورية عملت قبل فترة الحرب على فرض قوانين ساهمت في كبح جماح تلك الظاهرة، كان أهمها المرسوم رقم 62 لعام 2009 والذي حقق نتائج جيدة وملموسة لجهة الالتزام به، إلا أن الحرب كانت سبباً رئيسياً بالتراخي في تطبيقه، ما انعكس سلباً وزاد الوضع سوءاً، لدرجةٍ بات من الضروري فيها إعادة النظر بتفعيل القوانين حرصاً على سلامة وصحة مجتمعنا، وحمايةً للأجيال الصغيرة التي باتت تنظر للتدخين على أنه وسيلةً للمتعة والتسلية.