أرقام مخيفة عن تجنيس الكفاءات السورية المهاجرة .. هل تصبح سورية “دولة عجوز”؟!
للأسف يتغنى الأوربيون وغيرهم من الدول حتى في المنطقة العربية بالكفاءات والخبرات السورية معتبرين أنها أفضل استثمار حصلوا عليه خلال السنوات القليلة الماضية.
في هذا الإطار تشير البيانات الصادرة مؤخراً عن المكتب الاتحادي للإحصاء في ألمانيا، إلى أن 48 ألف سوري تم تجنيسهم خلال عام 2022، وهو ما يشكل حوالي ثلث المهاجرين المُجنسين (٢٩٪)، وهذا رقم في دولة واحدة، فماذا عن بقية الأرقام في الدول الأوروبية الأخرى، وحتى العربية التي استقطبت مئات آلاف السوريين كمصر ودول الخليج ولبنان والأردن وغيرها من الدول العربية الذين يحققون اليوم نجاحات مبهرة عجز عنها شباب الدول المتقدمة؟!
خسارة الحاضر والمستقبل!
أغلب هؤلاء ممن تم تجنيسهم في ألمانيا هم من أصحاب الخبرات والكفاءات والمهارات الذين تعلموا وتدربوا في سورية بكلف عالية تحملتها الدولة، وحصلت عليهم اليوم ألمانيا مجاناً، وذلك بحسب الدكتور خليل عجمي رئيس الجامعة الافتراضية السورية، مشيراً إلى أن تصدير الكفاءات والقوة البشرية هو أسوأ أنواع التصدير كونه يحوّل سورية إلى بلد ذات اقتصاد ضعيف قائم على المعونات الخارجية حتى ولو كانت من أبنائها.
وأعرب عجمي عن أسفه لجهة أن الحديث عن هجرة الكفاءات، والمطالبة بإيقاف نزيفها بات كالنفخ في قربة مقطوعة، مشيراً إلى أن سنوات الحرب جعلتنا نخسر حاضرنا، واستمرار هذه الحال، عن قصد أو عن سوء تدبير، سيجعلنا نخسر مستقبلنا!.
أين التخطيط؟
وبرأي الدكتورة نسرين موشلي أن سوء التخطيط في إدارة الموارد البشرية هو السبب الأول في دفع الكوادر والكفاءات الشاب والخبيرة للهجرة، مؤكدة أنه لو كان عندنا تخطيط صحيح وإستراتيجية وطنية لتشغيل الشباب ما وصلت معاناة مؤسساتنا إلى هذا الحد المخيف من هجرة الكوادر.
أرقام صادمة!
في عام 2010، صدرت دراسة عن جامعة الدول العربية أظهرت نتائجها أن سورية سابع دولة عربية من حيث هجرة الكفاءات، لكن ماذا عن ترتيبها اليوم بعد 12 عاماً من الحرب؟
لا شك أنها بالمراتب الأولى نتيجة فشل السياسات الحكومية في استثمار الكفاءات الشابة وكأنهم خرجوا من الحسابات!!
للأسف، هناك ندرة بالأرقام والإحصائيات التي تتناول موضوع هجرة الكفاءات في سورية، وخاصة خلال السنوات العشر الأخيرة، لكن وبحسب إحصائية نشرتها صحيفة الأيام السورية، عام 2020، فقد بلغ عدد أساتذة الجامعات الذي غادروا البلد بين عامي 2011 – 2020 أكثر من 1220 أستاذاً من مختلف الكليات الجامعية، يضاف لهم نحو 150 أستاذاً من حملة درجة الدكتوراه الذي يعملون في مؤسسات مختلفة، فيما يقدّر عدد المهندسين بـ 8521 مهندساً باختصاصات متنوعة، وتشير الإحصاءات إلى أن هناك أكثر من 21480 من حملة الإجازة الجامعية هاجروا أيضاً وهو الرقم الأكبر في عدد الكفاءات المهاجرة، فيما قدرت بعض الإحصائيات عدد من غادر سورية بنحو 17 ألف طبيب!
والمشكلة الأخطر أن هجرة الكفاءات السورية لم تتوقف عند حدود الشباب الخريجين في الجامعة، بل لم يسلم منها الحرفيين أيضاً، وتشير الأرقام إلى أن سورية فقدت نحو 80% من حرفها اليدوية، وهذه خسارة فادحة بلا شك، لأن تعويضهم ليس بالأمر السهل!
مأساة حقيقية!
الخريجون في الجامعات ممن التقيناهم وصفوا ظاهرة هجرة الكفاءات بالمأساة أو الكارثة، ومنهم من وصفها بالجائحة في هذا البلد المنكوب، وأعربوا عن حزنهم الشديد على خروج الكثير من الشباب المقتدر من ذوي الاختصاصات العليا في الطب والهندسات والصيدلة التي يحتاجها البلد في مرحلة إعادة الاعمار التي طال انتظارها!.
وقال آخرون “إن هجرة الكفاءات هي أسوأ ما يحصل اليوم من تداعيات الحرب على سورية، فبعد أن رعتهم الدولة وحمَّلتهم شهادات هاجروا ليخدموا بها بلاداً كانت ولا تزال عدواً يتآمر علينا.
وهناك من أشار إلى تجنيس أكثر من 13 ألف طبيب سوري عام 2022 في مختلف بلدان العالم التي هاجر إليها السوريين، الأمر الذي جعل مشافينا ومراكزنا الطبية تفتقر للأطباء الاختصاصيين والعامين وخاصة أطباء التخدير، الذي يبلغ عددهم اليوم أقل من 500 طبيباً ، بينما حاجة القطر تصل لأكثر من 1500 طبيب تخدير، إضافة إلى أن 70 بالمئة من خريجي طب الأسنان الجدد يهاجرون، بحسب تصريح لنقيب أطباء الأسنان في اللاذقية.
آخر النفق!
ويرى أهل الاختصاص في الاقتصاد والتخطيط أن مشكلة هجرة الكفاءات لن توقف في سورية طالما العقلية التي تتعامل مع الخريجين في الجامعة وخاصة المتفوقين منهم تنظر إليهم كعبء اقتصادي ولا يجوز مطالبتها باستثمارهم!
وتشير الأرقام إلى أن هناك نسبة كبيرة من الطلبة يتسربون من الجامعات والمدارس ويهاجرون في عملية خلاص فردي، بعد شعورهم بأن الجهات المعنية لن تقدر كفاءاتهم وخبراتهم بعد التخرج، وسينتظرون كغيرهم سنوات طويلة على قارعة طريق البطالة، علماً أن الوظيفة في مؤسسات الدولة وحتى في القطاع الخاص لم تعد مغرية للشباب نتيجة ضعف الرواتب التي لا توازي غلاء الأسعار المتصاعد الذي أفقد الليرة الكثير من قوتها الشرائية.
أسئلة ساخنة!
أمام مأساة استمرار نزيف الهجرة وعدم القيام بأي إجراءات حيالها، على الأقل التخفيف منها، نسأل ماذا فعلت اللجنة الوطنية للحد من الهجرة التي شكلت منذ عدة سنوات، والتي تضم وزارت الداخلية والخارجية والتعليم العالي والإعلام ومنظمات شعبية وغيرها من الجهات؟، وماذا فعلت لجنة الشباب في مجلس الشعب على مدار الأدوار التشريعية الماضية؟!
بالمختصر..
ربما، بل معهم حق من وصفوا هجرة الكفاءات الشابة “بالجائحة” التي تهدد فناء بناة المستقبل من الشباب أصحاب السواعد الفتية والخبرات النادرة، ومؤسف ومؤلم جداً أن نتعب ونزرع ليأتي غيرنا ويقطف الثمار الطازجة على طبق من ذهب!.
ولا نجافي الحقيقة إن قلنا أن سورية مهددة بأن تتحول إلى دولة “عجوز” بعدما كانت نسبة الشباب فيها تفوق الـ 60% وأكثر، لذا المطلوب اليوم أن يكون ملف الشباب من ضمن الأولويات بعيداً عن الشعارات والتصريحات والوعود الخلبية، والبداية تكون من العمل على تحديد أسباب الهجرة ونسفها من أساسها وفق خطط مدروسة تعطي القيمة المادية والمعنية لأصحاب الكفاءات والخبرات، فالبكاء على الإطلال ليس حلاً، يجب البحث عن حلول ناجعة واتخاذ قرارات جريئة تجعل الشباب أكثرة رغبة وتمسكاً بالبقاء في الوطن، فالعناية بالنخب والكفاءات السورية المهاجرة تمثل بحسب الدكتور كريم أبو حلاوة “فرصة تنموية ضيعتها الحرب بتبعاتها ونتائجها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، لكنها، وفي الوقت نفسه، دللت على ضرورة الاهتمام برأس مالنا المعرفيّ والبشريّ، ممثلاً بهذه العقول وإبداعاتها، نظراً لدورها الحيويّ في رسم ملامح مستقبل سورية ومصير أجيالها القادمة”.
غسان فطوم