تحقيقاتصحيفة البعث

وجهاً لوجه.. حقيقة الدعم الزراعي بين تأكيدات المعنيين ومعاناة الفلاحين!

نقرأ ونسمع دائماً عن دعم القطاع الزراعي لدرجة يخيّل لنا أن أمور زراعتنا بخير، غير أن الواقع على الأرض يشير إلى أن قصة هذا “الدعم” لم تقنع الفلاح حتى الآن، لأن المستلزمات الأساسية الضرورية للزراعة وللإنتاج وتسويقه غير متوفرة في حينها بالقدر الكافي، وأسعار التسويق غير عادلة، ولا تتناسب أبداً مع الجهد الكبير والنفقات الكثيرة؟

هذا هو واقع حال الفلاح الذي “يعاني الأمرين”، بينما يأتي السمسار والتاجر ليقطفا الثمار بأبخس الأسعار ويبيعانها للمستهلك بأغلى الأثمان!.

أما حديث الجهات المعنية صاحبة القرار عن تثبيت الفلاحين في أراضيهم وتعزيز دعم قطاعات الزراعة والموارد المائية، فيشبه الأسطوانة التي تكررها مؤتمرات نقابات العمال حول ضرورة تثبيت العاملين المؤقتين، فهم يُسمعونهم كلاماً جميلاً ووعوداً معسولة، لكنها كلها تذهب أدراج الرياح مع تقادم الأيام، وليس حال الفلاح بأفضل من هؤلاء الموظفين الذين هم أيضاً لم تعد تغريهم الوظيفة الحكومية!.

سلة غذائية!

ويا لها من مفارقة! فالفلاح النشيط الذي كان يقدم سلة غذائية متنوعة الخيرات، بات اليوم بحاجة لسلة غذائية من صندوق المعونة الاجتماعية تعينه بعد أن “كسر الجرة” وأعلنها صراحة “لا عودة للزراعة!!” في ظل دعم بات يأتي بالقطارة!.

والغريب العجيب وبالرغم من هذا الواقع الزراعي السيئ تستمر الحكومة في التأكيد على دعم القطاع الزراعي، والتسويق المحلي للخضار والفواكه والقمح وزيادة الإنتاج بكافة أنواعه، وكأن فريقها الاقتصادي لا يعلم أن الفلاحين في سهل الغاب، من مزارعي الشوندر السكري، رفعوا العشرة بعد أن أصيبوا بخسائر فادحة اضطرتهم لتقديم المحصول كعلف للحيوانات!

انتقاد مشروع!

وينتقد الفلاحون الرواية الحكومية التي تؤكد دائماً أن تطوير القطاع الزراعي والحفاظ عليه ودعمه بكل مستلزمات العملية الإنتاجية هو من أولوياتها، وما ألمهم وأحزنهم أن هذا الكلام تم تأكيده أمام المجلس العام للاتحاد العام للفلاحين الذي عقد مؤخراً، دون أن يدلي أحد من أعضاء التنظيم بأية ملاحظات، علماً أنهم يعرفون “البير وغطاه”، فيما يخص معاناة الفلاح، كما يقولون.

اتحاد غائب!

لذا ليس مستغرباً أن يرى العديد من الفلاحين والمزارعين أن الاتحاد العام للفلاحين وفروعه في المحافظات لا يعمل لصالح الفلاح، ولهم في الموافقة على تسعير كيلو القمح لهذا الموسم بـ 2500 ليرة مثال على ذلك، علماً أن الاتحاد يعلم أن تكلفة زراعة وإنتاج الكيلو الواحد، سواء كان بعلاً  أو مروياً، تفوق الـ 4000 ليرة، مستغربين عدم تدخل الاتحاد لإنصاف الفلاح الذي يئن من غلاء المستلزمات وأجور اليد العاملة؟!

ويتساءل الفلاح: ما الفائدة من تأكيد الحكومة على التوسع في إرواء المزيد من المساحات الزراعية لزيادة الإنتاج الزراعي وتثبيت الفلاحين في أراضيهم وتعزيز دعم قطاعات الزراعة والموارد المائية إن كان المازوت المخصص لذلك لا يصل بالكمية المطلوبة نظراً لغياب الرقابة والمتابعة من قبل الوحدات الإرشادية والجمعيات الفلاحية، بل هناك من اتهمها بالتلاعب بمخصصات الفلاحين والمزارعين من المازوت الذي يُقدم لدعم المحاصيل ولاسيما القمح والزيتون والشوندر السكري والقطن وغيرها من المحاصيل.

نريد القانون المنصف

ويجزم العديد من الفلاحين أن دعمهم سيظل مفقوداً ولن يصل لهم كاملاً طالما لا يوجد هناك قانون يحميهم من الاستغلال، علماً أنه مطلب ملح دائم حاضر في المؤتمرات الفلاحية، لكن دون جدوى، ما جعل الفلاحين يشككون بنوايا الدعم علماً أن الهدف من مثل هذا القانون هو تأمين مستلزمات الزراعة بدءاً من الحراثة وصولاً للتسويق بأسعار مناسبة تساعد الفلاح وتشجعه على الزراعة وتخفف عنه أضرار الكوارث الطبيعية.

شبعنا حكي!

في حمص، باع مزارعو التفاح في الموسم الماضي الكيلو بـ 300 – 400 ليرة، في حين باعه التاجر للمستهلك بـ 3000 و4000 ليرة, و”هل يوجد أكثر من ذلك ظلماً؟”، يتساءل أحد الفلاحين، فيما عتب آخرون على الإعلام الزراعي الذي يصور واقع الفلاح بأنه على ما يرام، غير أن الحقيقة عكس ذلك “شبعنا حكي ونصائح وإرشادات زراعية عالفاضي!!”.

السهل الحزين!

على مدار سنوات طويلة ظل سهل الغاب يمثل الرئة الزراعية لسورية بما ينتجه من محاصيل متنوعة ومن أهمها ثلاثة محاصيل استراتيجية، هي القمح والقطن والشوندر السكري. لكن اليوم، ومع انكماش الدعم الحقيقي، لم يعد لدى الفلاحين رغبة، بل قدرة على الزراعة بسبب الارتفاع الكبير بأسعار مستلزمات الإنتاج كأجور الحراثة واليد العاملة وغلاء أسعار البذار وكذلك الأسمدة وقلة المحروقات، عدا عن مشاكل النقل والتسويق، فمزارعو القطن يعتبرون أن تسعيرة الـ 4000 ليرة للكيلو الواحد ظالمة، وهي لا تسد النفقات، مشيرين  إلى أن القطن يحتاج إلى نحو 10 ريات خلال دورة إنتاجه، وليس مزارعو الشوندر السكري بأفضل حالاً، فهم أيضاً “تربوا” من خسائر السنوات الماضية، وأغلبهم اتجه لزراعة القمح والشعير نظراً لغياب الدعم المزعوم من تقديم قروض نقدية مجزية ومحروقات وأسمدة بما يتناسب مع التكاليف لإنجاح العملية الزراعية!

محظوظ ومدلل! 

وفي ريف طرطوس، يقول أحد الفلاحين ممن يزرعون القمح والشعير أنه اشترى كيس السماد بـ 300 ألف ليرة من التجار، علماً أن سعره عند الجمعية الفلاحية  150 ألفاً، لكن “المحظوظ والمدلل” من الفلاحين هو من يحصل عليه!

وشكا مزارعو البندورة من ارتفاع كلفة إنتاج الكيلو الواحد التي تصل  لحدود الـ 1600 ليرة، عدا أجرة تسويقه، وإن باع المزارع الكيلو بثلاث آلاف ليرة، فهو خاسر، علماً أن الكيلو وصل سعره لأكثر من 4000، متسائلين إلى متى تبقى وعود دعم الفلاح على الورق؟

وكلنا نتذكر قصة المزارع الطرطوسي الذي رمى محصول الخيار في نهر الأبرش إثر الأسعار الزهيدة التي يسوق بها محصوله وعدم تناسبها أبداً مع الكلفة الحقيقية للمنتج!

وشكا آخرون من غلاء أسعار المازوت وقلة توفره، مشيرين إلى أن تخصيص 4 ليتر للدونم الواحد في الموسم لا يكفي، وهذا ما يجبر المزارعين على شراء ما يحتاجونه من التجار وبسعر لا يقل عن 7000 ليرة لليتر الواحد! وبهذا الخصوص يحمّل الفلاحون المسؤولية للجمعيات الفلاحية والوحدات الإرشادية، فهي بنظرهم تعمل ضدهم، مشيرين إلى الخلل في توزيع مخصصات المازوت والأسمدة وفقاً لأمزجتها، مع التلاعب بالكميات، مطالبين اتحاد الفلاحين والجهات الأخرى بمراقبة عملها ومحاسبة الفاسدين.

دون هامش ربح

أما في اللاذقية، فدائماً، وفي كل موسم، هناك هواجس لمزارعي الحمضيات بشأن دعم إنتاج وتسويق المحصول، حيث أشاروا إلى أن إنتاج كيلو الحمضيات يكلّف المزارع من 800 إلى 900 ليرة، ويبيعه في أحسن الأحوال بسعر قريب من سعر التكلفة أي بدون هامش ربح يذكر وهذا – برأيهم – يشكل ظلماً لتعبهم ولا يعوض لهم نفقات الموسم.

وفي الغوطة الشرقية في دمشق، أشرنا أكثر من مرة  لشكوى المزارعين من  التأخير في إعادة تأهيل الأراضي التي خربتها العصابات الإرهابية وحولت معظمها لمكبات للقمامة، فهي بحسب قولهم تحتاج لجهود كبيرة لإعادة خصوبتها وزراعتها، وبحسب معظم الفلاحين فان مشكلة نقص المياه هي ما يؤرقهم ويمنعهم من العودة إلى الزراعة.

خبر مفرح ولكن!

ما قامت به وزارة الإدارة المحلية والبيئة فيما يخص شراء وتأمين 150 جراراً باستطاعة 50 حصاناً عن طريق المؤسسة العامة للتجارة الخارجية، وتوزيعها على المحافظات لتقوم بدورها بالتوزيع على الوحدات الإدارية الأكثر حاجة، أفرح الفلاحين الذين طالبوا بالعدالة في الاستفادة منها، لا أن يتم احتكارها و”السمسرة عليها” لمن يدفع أكثر، في إشارة منهم إلى تجارب سابقة عطلت وخربت النوايا الحسنة!.

إذا المعاناة مستمرة وواضحة رغم كل ما نسمعه عن الدعم، ليبقى السؤال إلى متى تبقى وعود الدعم لا ترتقي إلى المستوى المطلوب الذي ينصف الفلاحين ويحفزهم؟ فمعاناتهم في كل موسم لا توحي أبداً بأن دعم القطاع الزراعي من الأولويات في عمل الحكومة؟!

غسان فطوم