ثقافةصحيفة البعث

الجمعية التاريخية والبحث عن ابن بطوطة وماركو بولو

آصف إبراهيم

عرف التاريخ رحلتين مهمّتين قام بهما رحالتان جمعا الكثير من المعلومات المهمّة عن البلاد التي قصداها وشكل كتاباهما مرجعين مهمّين لعقود من الزمن، وهما الرحالة الإيطالي ماركو بولو والرحالة العربي ابن بطوطة رغم الفترة الزمنية الطويلة الفاصلة بين رحلة كلّ منهما، حيث سبق بولو ابن بطوطة بعشرات السنين، وقد أجرى الباحث والفنان التشكيلي ياسر السباعي عرضاً ومقارنة بين الرحلتين في محاضرة ألقاها في مقر الجمعية التاريخية السورية في حمص حملت عنوان “البحث عن ابن بطوطة وماركو بولو”، استهلها بعرض رحلة ماركو بولو (١٢٥٤-١٣٢٤) إلى الشرق الأقصى عامة والصين خاصة والتي شكَّلت نقطة تحوّل بالغة الأهمية، فقد جاءت في الوقت الذي انقسمت فيه الإمبراطورية المغولية، التي أسّسها جنكيز خان (ت 1226)، إلى أربع ممالك هي: مملكة مغول القبجاق في شمال البحر الأسود، ومملكة مغول فارس، ومملكة آسيا الوسطى، ومملكة الخان الأعظم وموطنها الصين وعاصمتها بكين.
وتدين هذه الممالك لهذا الخان بالولاء والطاعة، وكان الخان الأعظم في أثناء رحلة ماركو إلى الصين وإقامته فيها هو قابلاي.
ولد ماركو في مدينة البندقية عام ١٢٥٤، وكان والده نيقولا وعمه ماثيو قد قاما برحلتين إلى الصين، الأولى عام 1260 وكانت رحلة تجارية إلى منطقة البحر الأسود وبلاد القُرم، ولكن لم يتمكّنا من العودة إلى البندقية فتوجها شرقاً إلى بُخارى، ثم إلى بلاط قابلاي خان في بكين، حيث استقبلهما بحفاوة بالغة. وعاد الشقيقان إلى البندقية عام 1269.
وبعد عامين سافرا إلى الصين ثانيةً واصطحبا معهما في هذه الرحلة ماركو بن نيقولا وكان عمره ١٧عاماً. وصل آل بولو إلى بلاط قابلاي عام 1275، فرحب بهم أجمل ترحيب، واستقروا في الصين، حيث تفرغ نيقولا وماثيو للتجارة في حين تفرغ ماركو، الذي أتقن اللغة المغولية، لما يكلفه به الخان من مهام رسمية وخصوصية داخل الصين وخارجها. كما عيّنه حاكماً على ولاية ينغ تشاو. وأظهر ماركو خلال عمله مهارة وأمانة فائقتين لدرجة أثارت إعجاب الخان ودهشته. وبعد سبع عشرة سنة طلب آل بولو من الخان أن يأذن لهم بالعودة إلى وطنهم، إلا أنه رفض ذلك لحاجته إليهم. ولكن جاءت الفرصة عندما طلب قابلاي منهم مرافقة أميرة مغولية متجهة بحراً من مملكته للزواج من أرغون خان مملكة فارس، ووعد آل بولو قابلاي بالعودة ثانية بعد أن يقضوا فترة في البندقية، وكانت المفاجأة أن أرغون مات فتزوجت الأميرة ابنه ووريثه، وقبل أن يبرح آل بولو فارس جاءت الأخبار بوفاة قابلاي (1294)، فتابعوا طريقهم إلى طرابزون على البحر الأسود ثم القسطنطينية ووصلوا إلى البندقية عام 1295.
وقد حمل آل بولو معهم عند عودتهم كميات كبيرة من الذهب والفضة والأحجار الكريمة كالياقوت والعقيق والألماس والزمرد والفيروز وغيرها.
وفي عام 1296 نشبت الحرب بين البندقية وجنوة ووقع ماركو أسيراً، وتصادف أن التقى في السجن بأسير من بيزا وهو الروائي روستي شيانو، حيث أملى عليه قصة رحلته إلى الصين وبلدان الشرق باللغة الفرنسية. وقد صاغها روستي بأسلوب روائي، وأُطلق سراح ماركو عام 1299.
أما ابن بطوطة المولود في مدينة طنجة المغربية فقد بدأت رحلاته الثلاث في عام 1325م وكان عمره آنذاك 21 عاماً، بدأت أولها من طنجة حتى الإسكندرية، ومنها إلى دمياط فالقاهرة، ثم تابع سفره في النيل إلى أسوان ومنها أبحر إلى جدة، ثم عاد إلى القاهرة فدمشق عبر فلسطين، ثم سار إلى اللاذقية فحلب، واتجه مع قافلة حجاج إلى مكة، ثم توجّه بعد ذلك إلى العراق، ثم فارس، وحج للمرة الثانية، ثم انطلق من مكة إلى اليمن فالبحرين، ومنها إلى مكة.
أما الرحلة الثانية؛ فكانت باتجاه الشمال، حيث زار الشام، ثم دخل آسيا الصغرى، ثم عبرها إلى جزيرة القرم، وزار جنوب روسيا قبل أن ينتقل إلى أرض البلغار، ومنها عاد إلى فارس، ودخل أرض الهند. ثم زار كلاً من سيلان وإندونيسيا وكانتون في الصين، وعاد من سومطرة إلى ظفار بحراً، وانتقل براً إلى فلسطين، ثم رحل باتجاه المغرب عبر مصر فتونس، وفي طريقه زار سردين بحراً، وعبر مضيق جبل طارق إلى الأندلس.
أما رحلته الثالثة فقد توغل فيها بأعماق أفريقيا، واصل سيره حتى مالي، ثم عاد حتى انتهى به المطاف عند بلاد الفرس.
وعند مقارنة ما قام به الرّحالة “ماركو بولو” برحلات ابن بطوطة، وجد السباعي أن رحلات ابن بطوطة أعرض زمانياً ومكانياً وتبلغ ثلاثة أضعاف رحلات “ماركو بولو” الذي تحرك في آسيا فقط تقريباً على عكس ابن بطوطة الذي زار أفريقيا والشام والجزيرة العربية وآسيا ووصل إلى أوروبا، كما أنها تضمّنت معلومات أكثر نتيجة فهمه للثقافات.

قام ابن بطوطة بثلاث رحلات بينما ماركو بولو قام برحلة واحدة، كانت رحلة الأول استكشافية بينما الثاني كانت تجارية.
كتاب ابن بطوطة “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” للمؤلف محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي كتب بلغة بليغة، بينما كتاب “رحلات ماركو بولو” كتب بلغة ركيكة كما يزعم الأستاذ السباعي.