دراساتصحيفة البعث

جاذبية “بريكس” المتزايدة

عناية ناصر

بصفتها منصة حوكمة عالمية أنشأتها اقتصادات نامية كبيرة، فإن الرؤية الجديدة للحوكمة العالمية التي تنادي بها آلية بريكس تتمتّع بجاذبية كبيرة، وخاصة مع التغيرات غير المسبوقة في المشهد العالمي، وفشل نمط الحوكمة العالمية في التكيّف مع هذه التغييرات. وفي الوضع الحالي، من الضروري أن تعزّز البلدان النامية التضامن، وأن تزيد من تعزيز نظام دولي متعدّد الأقطاب ومتكافئ وديمقراطي يقوم على التعاون والاحترام المتبادل، واتخاذ القرارات الجماعية. وفي هذا الإطار تعدّ مجموعة بريكس قوة مهمّة لدفع التغييرات التقدمية في نظام الحوكمة العالمي، بحيث يمكنها تحقيق حوكمة عالمية أكثر تمثيلاً وإنصافاً، وتعزيز نمو عالمي أكثر شمولاً، وبناء عالم يسوده السلام والاستقرار والازدهار.

لقد أظهر النجاح في إنشاء وتشغيل المؤسّسات الدولية لمجموعة بريكس، مثل “بنك التنمية الجديد”، وترتيب الاحتياطي الطارئ، فعالية آلية البريكس بشكل كامل، حيث يعتبر بنك التنمية الوطني أول بنك تنمية متعدّد الأطراف تمّ إنشاؤه وقيادته من قبل الاقتصادات النامية والناشئة، وهو ذو أهمية كبيرة في تعزيز جاذبية آلية بريكس، وبصفته بنك تنمية متعدّد الأطراف موجّه نحو التعاون فيما بين بلدان الجنوب، حقق بنك التنمية الوطني ابتكاراً مؤسسياً في أربعة جوانب: هيكل الحوكمة، وأنظمة الدولة، وتمويل العملة المحلية، ومشاريع البنية التحتية المستدامة.

فيما يتعلق بهيكل الحوكمة، يختلف بنك التنمية الجديد عن البنك الدولي، حيث يتمتّع الأعضاء المؤسّسون بحقوق تصويت متساوية، ولا يوجد بلد لديه حق النقض، وهذا يضمن المساواة والاحترام المتبادل بين الدول الخمس.

أما ما يتعلق بالعلاقات مع البلدان المقترضة، فيتبع بنك التنمية الوطني نهجاً مدفوعاً بالطلب، ويحافظ على علاقات وثيقة مع عملائه، ويضع سياسات المشتريات والحوكمة البيئية والاجتماعية على أساس أنظمة البلدان المختلفة.

ومن ناحية الاستثمار والتمويل، يستكشف بنك التنمية الوطني استخدام العملات المحلية للدول الأعضاء، مما يقلل بشكل فعّال من مخاطر سعر الصرف لمشاريع القروض، ويعزّز أسواق رأس المال المحلية في البلدان الأعضاء.

أما بالنسبة للمشاريع الاستثمارية، فيركز بنك التنمية الوطني على مشاريع البنية التحتية المستدامة، بما في ذلك الطاقة المتجدّدة والبنية التحتية الرقمية والمدن الذكية ومرافق المياه والصرف الصحي.. إلخ.

من جهة أخرى، تعدّ مبادرة ترتيب الاحتياطي الطارئ بمثابة جهد كبير من قبل الاقتصادات النامية والناشئة لإنشاء شبكة أمان مالي جماعي استجابة للمخاطر التي تشكلها الأزمة المالية، وتهدف إلى التغلب على القيود الجغرافية، وتعزيز القدرة الدفاعية الجماعية لدول البريكس ضد الصدمات الخارجية، وبالتالي تعزيز تأثير الدول النامية في النظام المالي الدولي.

ومع استمرار تصاعد حدّة الصراع بين روسيا وأوكرانيا، فإن موقف دول البريكس الداعي إلى تعزيز السلام والمفاوضات يعزّز جاذبية آليتها، حيث تلتزم دول البريكس بالتعددية، وتحترم المخاوف الأمنية المشروعة لجميع البلدان، وتدعم الحلّ الشامل للصراع الروسي الأوكراني من خلال الحوار والمفاوضات. بالإضافة إلى ذلك، تعرب دول البريكس عن قلقها بشأن الوضع الإنساني في أوكرانيا وحولها، وتدعو إلى بذل جميع الجهود لتقديم المساعدة الإنسانية. وفي الوقت نفسه، تشعر دول البريكس بقلق خاص بشأن تداعيات العقوبات الأحادية على الانتعاش الاقتصادي العالمي، واستقرار سلسلة التوريد، والطاقة والأمن الغذائي، فضلاً عن الصدمة الخطيرة لتنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030.

تدعو دول البريكس إلى معالجة مخاوف معظم البلدان النامية بشكل فعّال لضمان عدم تأثر اقتصادات وسبل عيش جميع البلدان، ففي ظل التطور المتسارع، يواجه المجتمع البشري تحديات غير مسبوقة. وفي سياق متصل تلتزم دول البريكس بالمضي قدماً في إصلاح نظام الحوكمة العالمي، وزيادة مشاركة الاقتصادات الناشئة والنامية في صنع القرار العالمي. وفي الوقت نفسه، تهدف دول البريكس إلى حماية النظام الدولي بقوة مع وجود الأمم المتحدة في جوهرها، ودعم سلطة الأمم المتحدة ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والتكاتف لتطوير نظام دولي أكثر عدلاً ومعقولية، والاستجابة بفعالية لتوقعات جميع الأطراف، ودفع التوسّع إلى الأمام بثبات، مع توسيع دائرة الأصدقاء بشكل مستمر.

يمكن القول باختصار، تعدّ آلية بريكس بمثابة داعم لتشكيل مكانة البلدان الناشئة في عالم متعدّد الأقطاب.