نتنياهو.. على هامش الحدث
إبراهيم ياسين مرهج
دخلت العلاقة الأمريكية “الإسرائيلية” في مرحلة معقدة، فحاجة أحد الطرفين إلى الآخر عضوية، ولا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر بما يحقق أطماعهما في المنطقة والعالم، وفي الوقت نفسه يجلس على سدّة الحكم صديقان “لدودان”، فرأس السلطة في واشنطن جو بايدن يفتخر بانتمائه الصهيوني، بينما يعلم رئيس وزراء “إسرائيل” بنيامين نتنياهو أن استمرارية كيانه مرتبطة ارتباطاً وثيقاً برضا ساكن البيت الأبيض كائناً من كان.
ويبدو نتنياهو في ولايته السادسة “رئيساً لحكومة الاحتلال” مترنّحاً في السير بسياسة واضحة تؤدّي به إلى تحقيق نجاح يقدّمه أمام جمهوره وخصومه المتحفّزين لإسقاطه، فالتظاهرات الأسبوعية التي تنادي برحيله تقضّ مضجعه داخلياً، أما فيما يخص عدوانه الدائم على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر فلم يحقق جيشه أيّ نجاح، فالعمليات الفدائية في الضفة مستمرة، وفي غزة جاء “ثأر الأحرار” ليفشل “الردع” الذي كان العدو يحاول تحقيقه في وجه فصائل المقاومة الفلسطينية.
على المقلب الآخر، كان بايدن يحاول ليّ ذراع نتنياهو للحصول منه على “تنازلات” فيما يخص الاستيطان والقدس المحتلة ليرمي بها على الطاولة أمام الدول العربية المطبّعة، وبما يمنحه ذريعة لضمّ دول أخرى، وعلى هذا الأساس لم يرسل دعوة لنتنياهو للقائه في البيت الأبيض منذ تولّي الأخير رئاسة الحكومة، فسارع الأخير كمن يحاول استرداد بعضٍ من “كرامة” إلى منع وزرائه أن يلتقوا بنظرائهم الأمريكيين في الولايات المتحدة قبل أن تطأ قدماه عتبات ذاك المكتب، كما لاحت منه إغاظة لـ”بادين” حين استقبل خصمه رئيس مجلس النواب الأمريكي الجمهوري كيفن مكارثي في “تل أبيب”، ولكن المناكفة الأمريكية كانت أقوى وأدهى، فبايدن اتّخذ موقفاً مؤيداً لآلاف المعارضين لنتنياهو، لدرجة أن طلبت الدائرة المحيطة بنتنياهو والمقرّبون منه من واشنطن عدم التدخل في “شؤونهم” الداخلية، وكأنه لولا دعم واشنطن وساكني البيت الأبيض كان لهم “شأن”!.
المناكفة الأمريكية لم تقف هنا بل تعدّتها إلى إلغاء زيارة أنتوني بلينكن إلى “إسرائيل” قبل أن يحط رحاله في الرياض للقاء وزراء خارجية التعاون الخليجي ليضع أمامهم تصوّراتٍ للمرحلة المقبلة التي تستعدّ فيها بلاده لانتهاج سياسة جديدة “قديمة” ستعود فيها عن غيّها من خلال إعادة إحياء الاتفاق النووي مع طهران، وهو ما قد يكون محتوى المكالمة التي وبّخ فيها بلينكن نتنياهو، حسبما أشارت وسائل إعلام “إسرائيلية”.
فهياج نتنياهو على احتمال العودة إلى الاتفاق النووي بين إيران والغرب أو توقيع اتفاق جديد، ناتج عن ضعفٍ يعتريه ومعارضة تنتظر فشله لإسقاطه، وهي استقبلت التسريبات حول الاتفاق النووي بتحميل الأول المسؤولية كاملة عن وصول الأمور إلى هذه المرحلة، أما بايدن فهو يسعى إلى أن يخرج بسلامٍ في نقطة من النقاط المشتعلة في العالم، حتى تكون الحجة له أمام الناخب الأمريكي، بأنه صنع سلام “على مضض” في زمن الحروب، في الوقت الذي تناسى فيه أن بلاده أغلظت على العالم وأثخنت في جنباته الجراح.