دراساتصحيفة البعث

بسبب تصرفات واشنطن.. الدول تنوع عملاتها

ترجمة: هناء شروف

يعتقد العديد من المطّلعين أن إلغاء الدولرة قد برز باعتباره اتجاهاً مالياً، حيث يتجلّى ذلك على أنه جهد متضافر من قبل عدد متزايد من الدول لتقليل أهمية الدولار الأمريكي في التجارة الدولية، والرغبة من قبل الغالبية العظمى من البنوك المركزية حول العالم التي ترى أن الذهب يجب أن يصبح أصلاً احتياطياً بارزاً بدلاً من الدولار.

يقول الخبراء إن إحدى القوى الدافعة لهذا الاتجاه هو استخدام الولايات المتحدة العملة كسلاح، لكن تقلصت مركزية الدولار في النظام المالي العالمي تدريجياً في السنوات العشر الماضية، حيث أعطي هذا العام النقاش زخماً إضافياً نتيجة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا، والتي بدأت العديد من الدول الكبرى والأسواق الناشئة تتساءل عن الدور الضخم للدولار في النظام المالي الدولي.

وصف تقرير صدر حديثاً عن “معهد كوينسي”، وهو مركز أبحاث أمريكي يركز على السياسة الخارجية، نزع الدولرة بأنه “اتجاه لا يمكن وقفه، والدافع الرئيسي هو تسليح واشنطن لعملتها من خلال العقوبات التي تغطي 29 بالمئة من الاقتصاد العالمي”.

حتى وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين اعترفت بأن العقوبات يمكن أن تسبّب أو تؤدي إلى تفاقم اتجاه نزع الدولار، وقالت في مقابلة في شهر نيسان الماضي: “هناك خطر عندما نستخدم العقوبات المالية المرتبطة بدور الدولار والتي يمكن أن تقوّض مع مرور الوقت هيمنة الدولار”.

دأبت الولايات المتحدة على تسليح الدولار منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من خلال استخدامه كأداة ضغط لمعاقبة المعارضين، واستهداف الدول الصغيرة في البداية، والآن تواجه دولة ضخمة مثل روسيا، وهي خطوة أثارت مخاوف حقيقية، وقلق الكثير من الدول بشأن ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة.

تحاول الدول التنويع بالعملات وإلغاء الدولار، لأن الولايات المتحدة لم تكن مسؤولة عن إدارة الدولار لمصلحة الجميع باعتباره منفعة عامة، وهذا هو سبب الخوف والقلق والحاجة إلى التنويع خارج الدولار.

بالمقارنة مع موجتين استراتيجيتين من إلغاء الدولرة في التاريخ، أي الحركة المناهضة لبريتون وودز في الستينيات بقيادة فرنسا، وولادة اليورو في عام 1999، والتي سعت إلى الحدّ من تأثير الدولار في أوروبا، كلها أكثر من مبادرة من منظور سياسي مع الدافع الأساسي للدفاع ضد الابتزاز الأمريكي.

وهناك عوامل أخرى مثل التضخم المفرط، ومفاوضات سقف الديون التي أثرت أيضاً على تنويع العملات وإزالة الدولرة، لأنها تسبّب خوفاً إضافياً للأجانب من أن قيمة دولاراتهم في الاحتياطي الفيدرالي قد تنخفض وتنهار.

ويضيف الخبراء: “إذا كان يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها تدير اقتصادها بطريقة غير مسؤولة، فسوف يؤثر ذلك بالضرورة على قيمة عملتها. سيكون هناك هذا التأثير لمحاولة الابتعاد عن امتلاك الأصول بالدولار”.

في مقابلة أجريت مؤخراً على البودكاست “ذا غاي مارتين شو”، قام لاين أيدن خبير الاقتصاد الكلي، واستراتيجي الاستثمار، ومؤسّس “لين ألدين انفستمنت استراتيجي” في نيوجيرسي، بتسمية عاملين أساسيين رئيسيين يدفعان باتجاه نزع الدولار إلى حالة تأهب قصوى، إحداها أن الدول الأخرى فقدت الثقة في السندات الحكومية الأمريكية، والعامل الآخر هو الخوف من أن الحكومة الأمريكية قد تستولي على احتياطياتها في أي وقت، والدول الأخرى تعلم أن وضع احتياطياتها من الدولار تحت رحمة قلة من السياسيين في واشنطن.

تدرك الدول الآن أن هناك تعقيدات في الإيمان بالدولار، ولهذا السبب فإن صعود “الرنمينبي” أصبح موضع ترحيب كبير، إذ ليست هناك حاجة للمبالغة في دور “الرنمينبي”، أو السرعة التي يمكن أن يصبح بها العملة المركزية في العالم.

الوضع يتطلّب نظاماً مالياً دولياً مثالياً، لذلك ربما يكون التوازن المثالي حوالي عملتين أو ثلاث عملات تنافسية ومستقرة في النظام الدولي، وقد نصل إلى هذه النقطة ربما في غضون عقد واحد، أو ربما عقدين من الزمن، حيث يمكن أن يلعب الدولار الأمريكي دوراً مهماً، ولكن مع لعب “اليوان” الصيني أيضاً دوراً أكثر أهمية، ونأمل أن يستمر اليورو في النمو من حيث دوره كعملة دولية.