رغم رغبتهم في تجميل صورتهم.. الجمهوريون يقدّمون نسخاً أكثر طيشاً
البعث الأسبوعية – بشار محي الدين المحمد
مع اقتراب استحقاق الرئاسة الأمريكية 2024 تزداد شدّة المنافسة بشكل رئيسي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري من جهة، وضمن الحزبين من جهةٍ أخرى، مع توالد العديد من المستجدات وبعضها كان غير مستبعد الحدوث قبل بضعة أشهر.
من الملاحظ أن هناك صراعاً محموماً داخل الحزب الجمهوري يعكس الرغبة الجامحة للقائمين على الحزب في إزاحة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وهو المرشح الجمهوري الأبرز حتى اللحظة من زعامة الحزب، حيث يرمون من وراء ذلك إلى تقديم نسخ أكثر عقلانية وأقل تهوّراً وشعبوية من ترامب، وخاصةً أنه قد أصبح محطّ اتهام ومحرّضاً على خرق القوانين ومهدّداً للديمقراطية بنظر العديد، فضلاً عن الفشل الاقتصادي الذي منيت به الولايات المتحدة في فترة حكمه نتيجة أزمة كورونا التي ما زالت تترك تداعياتها على الاقتصاد والصحة وسوق العمل حتى تاريخه.
لقد وصل إلى سباق الترشّح حتى الآن 11 مرشحاً جمهورياً، وهناك ثلاثة منهم يشكّلون تحدّياً قوياً في الوقت الراهن لترامب، لكن ذلك بالتأكيد يتطلّب مزيداً من الوقت والدعم لنفي رجل هو الأقوى حتى اللحظة من صفوف الحزب في شارع أمريكي يميل بكل صراحة إلى اليمينية والشعبوية حاله حال كل الشارع الغربي الذي يعجّ بتداعيات أزمة الحداثة والحنين لليمينية والتزمّت وكره الآخر بعد عصور من التنوير والانفتاح تقضي عليها بالتدريج تداعيات منذ زمن الحرب العالمية الثانية وما لحقها من ثورات صناعية وأيديولوجية قسّمت هذه المجتمعات حول المفاهيم الأساسية لتجعلها نسبية وأهمها الحقيقة والمساواة، والمراهنة تكون الآن عبر إبعاد ترامب من الساحة بالاعتماد على القضايا الجنائية المثارة بحقه، التي زادت على 34 تهمة جنائية، في حين يرى مع مريديه أن هذه التهم مسيّسة وهدفها إقصاؤه بالتواطؤ مع وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ولكن، والحق يقال، أبرز ما قدّمه من طروح كان “وقف الحرب الأوكرانية خلال 24 ساعة”، وتحميل خلَفِه جو بايدن مسؤولية اندلاع هذه الحرب وفتح جبهة الصراع مع روسيا.
المرشح رون ديسانتيس المصنّف أنه الأكثر حظاً في الوصول إلى الرئاسة بعد ترامب رغم الفارق الشاسع بينهما الذي يصل إلى أكثر من عشرين نقطة في استطلاعات الرأي لمصلحة ترامب، ويرى أن الشعب الأمريكي غير راضٍ عن المعيشة نتيجة التضخّم وغلاء الأسعار، وهو مناهض للشركات وعلى خلافٍ مع كبرياتها وعلى رأسها والت ديزني، وهو مع تقييد قوانين الدولة لمصلحة الأفراد حتى فيما يخص اقتناء السلاح، وعلى الصعيد الخارجي يرى أن الحرب الأوكرانية شأن أوروبي بحت لا علاقة للولايات المتحدة به، وربما هذا الطرح يجعله قريباً من رؤية ترامب إلى حدٍّ ما، لكنه في الوقت نفسه يشجّع على فرض المزيد من العقوبات على موسكو، رافضاً التعاون مع روسيا، وهذا يعني أنه لا يحمل أي مشروع أو رؤية قد تحدّ من هذا الصراع بشكل يناقض تصريحه الأول.
من جهةٍ أخرى، وقّع قانوناً ضمن ولاية فلوريدا التي يحكمها ينصّ على منع الصينيين من شراء وتملك الأراضي ضمنها بحجّة منع التجسس على الشركات، وهذا يوضح مدى اقتناعه بالمشروع الأمريكي لتضييق الخناق على الصين وكبح نموّها الاقتصادي، ناهيك عن تصريحاته اللاذعة ضدّها بأنها قوة “شيوعية كالاتحاد السوفييتي سابقاً” التي تكرّس قناعة بمدى تمسّك هذا المرشح بهيمنة بلاده.
أما على صعيد الشرق الأوسط فقد تعهّد بأن يكون الحاكم الأمريكي الأكثر دعماً للكيان الإسرائيلي في تاريخ الولايات المتحدة، وهذا بالطبع يعني دعم المساعي الجديدة للكيان في التوغّل على نهج التطرّف، وخرق المزيد من القوانين والأعراف الدولية بحق الشعب الفلسطيني، كما سبق له أن قدّم مشروع المساءلة الفلسطينية ووقف المساعدات للسلطة الفلسطينية.
المرشحة نيكي هايلي يكشف ماضيها مدى تطرّفها السياسي في العديد من القضايا بشكل يؤكّد مدى قناعتها بالمشروع الإمبريالي ضدّ جميع قوى التحرّر، فعندما كانت سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة أعلنت العداء للدول لمجرد تأييد هذه الدول الحق الفلسطيني، وكانت تبرّر أفعال “إسرائيل” الإجرامية عبر الادّعاء بأن إيران وكوريا الديمقراطية دول “تخرق القانون الدولي وتهدّد السلام”، ومن أكثر المؤيّدين لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وسبق أن وقعت على تشريع لإجهاض مناصرة القضية الفلسطينية في الولايات المتحدة، كما دعت إلى ضرب الدولة السورية وكيل الاتهامات ضدها، وطالبت بلادها بوقف المساعدات المالية لمن سمّتهم “أعداء أمريكا” ومن ضمنهم العراق وحكومته لمجرّد دعمها قوات الحشد الشعبي، وتدعو أيضاً لوقف التفاوض في موضوع الملف الإيراني النووي، وإلى إبعاد الدول العربية عن إيران وقطع علاقاتهم معها.
كذلك هي تكنّ العداوة لفنزويلا وتدعو لإيقاف شراء النفط منها، كما تكنّ العداوة للصين وتعدّ الصين والحزب الشيوعي الصيني أيضاً خطراً على بلادها.
وعلى صعيد الأزمة في أوكرانيا تعدّ أكثر تشدّداً في فرض المزيد من العقوبات ضدّ روسيا، رغم أنها قالت في إحدى تصريحاتها إنها مع التحالف مع دول أوروبية بما فيها روسيا لإرساء الأمن العالمي، لتعود حملتها الانتخابية لنفي ذلك معتبرة الأمر مجرّد “زلة لسان”.
أما المرشح مايك بينس فيحاول أن يظهر لجماهير حزبه أنه خيار فريد لقيادة الولايات المتحدة وأن بإمكانه إعادة الحزب الجمهوري إلى ما كان عليه قبل ترامب، أما أجندته الخارجية فتتمثل في أنه يدّعي حتى الآن أنه سيخفف من حالة التوتر في الشرق الأوسط، على الرغم من أن ماضيه يشي بعكس ذلك؛ لأنه كان من أشدّ المؤيدين لغزو العراق، وعدم تحديد أجل لخروج قوات بلاده منه، كما أنه دعا بشكل صريح لضرب سورية وناهض الموقف الروسي الداعم للدولة السورية في صراعها ضدّ الإرهاب، ناهيك عن معارضته الاتفاق النووي مع إيران، كما أنه يعدّ العلاقة مع “إسرائيل” علاقة قوى دينية تجمعها مصالح مشتركة ويجب دعم “كفاحها”، وعلى صعيد الأزمة الليبية كان مع الانخراط في خضم أزمتها والتدخل بها حتى دون موافقة الكونغرس، كما أنه سبق أن عارض الرئيس السابق باراك أوباما في إغلاق معتقل غوانتانامو.
أما على الصعيد الآسيوي، فله العديد من التصريحات ضدّ الصين التي يصفها بـ”إمبراطورية الشرّ”، وأنها “تمثل خطراً على بلاده أكثر مما كان يمثله الاتحاد السوفييتي” معبّراً عن عدائه الشديد أيضاً للشيوعية الصينية ومن قبلها السوفييتية، كما سبق أن ادّعى أنها “مصدر فايروس كورونا”، وهذه التصريحات تعبّر عن تماهيه مع المشروع الأمريكي المناهض للصين.
وبخصوص الأزمة الأوكرانية عارض وصف ترامب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ”العبقري” لأنه قام بالعملية العسكرية الخاصة، واصفاً بوتين بـ”المجرم”، ومعلناً العداء لنهجه في إعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي وتوحيد جمهورياته في أوروبا الشرقية ضدّ الغرب.
ومن خلال الاطلاع على الخلفية الأيديولوجية لأبرز المرشحين الجمهوريين الذين انطلقوا من مقارنة أنفسهم بترامب وحرصهم على تقديم صورة “أكثر رزانة”، يبدو أنهم وللأسف روّجوا أفكاراً تنمّ عن أن حزبهم ماضٍ نحو الأسوأ وعلى جميع الصعد، وإلى المزيد من استعباد واحتلال الشعوب وسوقها نحو قيم الرأسمالية ومعاداة أي مشروع اقتصاد اجتماعي يحرّرها من سطوة الحلف الأنغلوساكسوني.