مرحباً بكم في مجتمع “الديستوبيا” حيث لا أحد معنيا بالانتباه
“البعث الأسبوعية” ــ ترجمة قضايا المجتمع
ماذا لو عرفت أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي هي “الأخ الأكبر” الحقيقي في المجتمع، وأن منصات التواصل الاجتماعي لديها حالياً القدرة على التلاعب بشعوب بأكملها. يبدو ذلك من قبيل الجنون، أليس كذلك؟ في الواقع، إن مؤامرة كهذه تعتبر جنوناً محضاً. ومع ذلك، نحن في الواقع نعيش في وقت يتوقف الناس عن الاهتمام، وفي مجتمع تحظى فيه وسائل التواصل الاجتماعي باهتمام أكثر من الاهتمام بكوكبنا. كيف وصلنا في نهاية المطاف هنا؟
المعضلة الاجتماعية
في العصر الرقمي، أصبحت الهواتف الذكية جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، فقد ربطتنا بعالم جديد من المعلومات والفرص غير المحدودة، حيث التفاعل مع بقية العالم بات أسهل من أي وقت مضى. ولعب ظهور منصات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، وانستغرام، وسنابشات، وتيك توك، دوراً مهماً في تغيير الطريقة التي نتواصل بها، ونشارك المحتوى ونستهلك المعلومات. ومع ذلك، فقد طور الكثير من الأشخاص علاقة سامة بهواتفهم في السنوات الأخيرة. وكثيرون منا يحتفظون بهواتفهم الذكية باستمرار إما في جيوبهم أو على الطاولة أمامهم، وهي عادة باتت مشكلة كبيرة بحد ذاتها. ويكشف الجانب المظلم لوسائل التواصل الاجتماعي كيف تغذي وسائل التواصل الاجتماعي الإدمان لتعظيم الربح، وتمارس تأثيرها الخفي على المجتمع.
المجتمع الجديد
التركيز مهارة نادرة قلما نجدها في العصر الرقمي الجديد. لم يعد أحد ينتبه بعد الآن. يجب أن نعتقد أن الإنترنت والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي ستجعل حياتنا أكثر كفاءة، ما يترك المزيد من الوقت للتركيز على الأشياء المهمة الحقيقية في الحياة. ومع ذلك، فإن الفرص اللانهائية التي نواصل تتبعها مع العالم عبر الإنترنت تتركنا على مسار غير منظم مليء بالمشتتات، ويتم إخفاء أكبر إلهاء لنا جميعاً في جيوبنا طوال الطريق. لقد تم تصميم منصات وسائل التواصل الاجتماعي لجذب انتباهنا والاحتفاظ به. ويُقدر أن الموظف العادي يلتقط هواتفه 30 مرة في اليوم خلال ساعات العمل، أو كل 16 دقيقة خلال وردية كاملة مدتها ثماني ساعات. وتؤدي الاضطرابات المستمرة التي تسببها هواتفنا الذكية إلى تشتيت تركيزنا، وتمنعنا من الانخراط في عمل عميق أو الحفاظ على الانتباه في المهام المهمة. ويعتقد الكثير من الناس أنهم يفعلون المزيد إذا قاموا بمهام متعددة، ولكن الحقيقة هي أن مثل هذا السلوك يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وإلى فهم ضحل للمعلومات التي نستهلكها.
نحن عالقون في المصفوفة. لا أحد ينظر من هاتفه بعد الآن. يجد الناس أنفسهم يتفقدون باستمرار خلاصات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم، مدفوعين برهاب فقدان هواتفهم الذكية، والقلق من عدم وجودها، وهي ظاهرة تُعرف باسم “نوموفوبيا”. فقد تم بناء منصات وسائل التواصل الاجتماعي على نظام المكافآت الذي يؤدي إلى إطلاق الدوبامين، والاستفادة من إبقاء مستخدميها على الشاشة لأطول فترة ممكنة. إن توقع تلقي الإعجابات والتعليقات يغذي رغبتنا في التحقق من الصحة، ما يؤدي غالباً إلى سلوكيات إدمانية. ويعمل المهندسون باستمرار لإيجاد طرق جديدة لتحسين السلوك الإدماني، وتنفيذ خطوط على سنابشات، والتمرير اللانهائي على انستغرام والتشغيل التلقائي على يوتيوب. وفي الوقت نفسه، قيل لنا أن نقص الإرادة هو مصدر إدماننا. لقد حان الوقت لأن تتحمل منصات التواصل الاجتماعي بعض المسؤولية عن المنتج الذي صنعته.
هل نشاط المناخ الافتراضي كافٍ؟
بينما لعبت منصات التواصل الاجتماعي دوراً حيوياً في زيادة الوعي بقضايا المناخ، من المهم التمييز بين النشاط الافتراضي والتأثير الواقعي. إن إعادة نشر قصة على انستغرام أمر سهل، ولكن القيام بالعمل المطلوب لإحداث تغيير ليس كذلك. ويُظهر الكثير من الناس اهتمامهم بالمناخ على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن القليل منهم ينفذون تغييرات فعلية في نمط حياة يفيد البيئة. إن الوعي بالخطر عظيم، لكن ليس هناك ما يكفي لقرن الأقوال بالأفعال. يجب أن نشق الطريق لإجراء تغيير كبير. ويمكننا أن نبدأ بأخذ استراحة من حياتنا الرقمية، والبدء بالاهتمام بكيفية تأثير نمط حياتنا على البيئة.
برز النشاط الافتراضي كأداة قوية في العصر الرقمي، وتمكن الأفراد والمجتمعات من زيادة الوعي والدعوة للقضايا الاجتماعية والبيئية من خلال المنصات عبر الإنترنت. يسمح للمنظمات بتوفير المعلومات، وحشد المؤيدين، وتنظيم الحملات بكفاءة. ومع ذلك، فقد أصبحت ظاهرة “الغسيل الأخضر” سائدة أيضاً. ويشير “الغسيل الأخضر” إلى ممارسات التسويق الخادعة التي تستخدمها منظمات كثيرة لتقديم صورة صديقة للبيئة أثناء الانخراط في ممارسات ضارة أو غير مستدامة، مما يخلق وهماً بالالتزام بالأسباب البيئية.
أين نذهب من هنا؟
إن اهتمامنا أكثر جدوى اليوم من أي وقت مضى. ومع تغير المناخ الذي يلوح في الأفق كواحد من أكبر تحديات عصرنا، من الأهمية بمكان أن نخصص وقتنا واهتمامنا باتجاه الحلول بدلاً من الضياع في التصفح اللانهائي. وقد يكون التحول من منصات الوسائط الاجتماعي التي تسبب الإدمان، والتي تزيد رساميلها من اهتمامنا، وتعزلنا عن العالم غير المتصل بالإنترنت، إلى وجود حيث تشجع منصات التواصل الاجتماعي مستخدميها على الالتقاء وجهاً لوجه والمشاركة في محادثات مهمة، هو التحول المطلوب للتحول من الديستوبيا المريرة الحالية إلى المدينة الفاضلة الجديدة.