العجز المائي يتفاقم بسبب الجفاف والتصحر! نسبة كبيرة من مياه الأمطار تغور.. ما الذي يمنع من بناء السدود
البعث الأسبوعية – غسان فطوم
لا شك إذا أردنا البقاء على هذه الأرض علينا أولاً أن نفكر كيف نحمي مصادرنا المائية من الاستنزاف والتلوث، فالماء هو الحياة.
هذه حقيقة يدركها العالم جيداً، فكل المؤشرات والتقارير الدولية تدل على أن ثلثي العالم سيعاني من نقص حاد في المياه بحلول عام 2025، ولهذا فإن حل مشكلة نقص المياه والبحث عن القوانين والتشريعات التي تضمن التحكم بتلوثها وحمايتها هو الشغل الشاغل لكل دول العالم خوفاً من شح المياه وخاصة الصالحة للشرب، إذ تشير الأرقام إلى أن أكثر من مليار ونصف من سكان العالم يشربون مياه غير صالحة، كما أن حوالي أربعة مليون شخص يموتون سنوياً بسبب المياه الملوثة.
سؤال محلي!
وفق الدراسات الجيولوجية تعد سورية حالياً من الدول الفقيرة مائياً بسبب وقوعها ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة، وما نعانيه من جفاف وتصحر بات واضحاً ومخيفاً الأمر الذي ينذر بفجوة مائية كبيرة بين الموارد المائية المتاحة من الأمطار، والمياه الجوفية، والينابيع، في ظل الطلب المتزايد على المياه.
وتفيد الدراسات الصادرة عن وزارة الإدارة المحلية والبيئة أن سورية تعرّضت خلال السنوات الأخيرة إلى موجات جفاف متتالية، حيث تناقصت معدلات هطول الأمطار إلى حوالي النصف في معظم مناطق سورية خلال مواسم: 1990 – 1991، و1998 – 1999، و2007 – 2008، 2016 – 2017، 2020 – 2021، مما انعكس بشكل واضح على قطاعات مختلفة خاصة الزراعية والاقتصادية والاجتماعية.
هنا ثمة أسئلة يمكن طرحها، خاصة عندما نعلم أن مواردنا المائية تعاني من الإهمال، بسبب ضعف الإدارات المسؤولة عنها، وغياب الإطار القانوني، فهي تفتقر في الكثير من الأحيان إلى عدم نفاذ اللوائح والقوانين الرادعة، والأخطر من هذا أن مواردنا المائية تستخدم بشكل غير اقتصادي في كل القطاعات من دون وعي للقيمة الحقيقية لها وهذا أدى إلى استنزاف المياه الجوفية وجفاف عدد كبير من الآبار والينابيع في أغلب المحافظات حتى المعروفة بغزارة المياه كما هو في المنطقة الساحلية ذات الينابيع الكثيرة والمياه الغزيرة، إضافة إلى استمرار منح الموافقات لحفر آبار غير نظامية أو مرخصة!.
حرب وزلزال!
لا شك أن حرب السنوات الـ /10/ تركت الكثير من الآثار السلبية على مرافق المياه، وجاءت كارثة الزلزال لتزيد الأمور تعقيداً، فاليوم لا يعمل سوى 50% من أنظمة المياه والصرف الصحي نتيجة تعرض جزء كبير منها للتخريب والتدمير، سواء فوق الأرض أو تحتها، ووصل الفاقد في الكوادر المؤهلة إلى أكثر من 40%، علماً أنه قبل عام 2010، كان 98% من سكان المدن و92% من سكان الريف تصلهم المياه الصالحة للشرب دون عناء، ولم يكن هناك أية شكوى من المزارعين فيما يخص نقص المياه المخصصة لري المحاصيل والمزروعات، رغم أن الري التقليدي هو الذي كان سائداً، وكان طول شبكات الري يصل لأكثر من 65 ألف كم.
تحت القبة
وزير الموارد المائية تمام رعد أشار مؤخراً أثناء مناقشة مجلس الشعب لعمل الوزارة إلى التغيرات المناخي التي أثرت بشكل كبير على مخزون السدود، مبيناً أنه رغم الهطولات المطرية الأخيرة التي كانت أفضل من هطولات الموسم الماضي إلا أنها لم تنعكس إيجاباً على سعة السدود، وأشار إلى أن الوضع المائي تفاقم بعد قيام الاحتلال التركي بتخفيض واردات نهر الفرات إلى حدود /50/ بالمئة مما أثر سلباً على حصة سورية وعلى مشاريع مياه الشرب والري.
وبحسب الأرقام الصادرة عن مركز البحوث الزراعية يبلغ الهطول المطري السنوي في سورية بحدود 46 مليار متر مكعب في سورية، جزء كبير منه يضيع بالتبخر وتقدر نسبته بحوالي40 -50%، فيما يتسرب إلى باطن الأرض حوالي 35%، ولا تتجاوز كمية المياه المتاحة للاستثمار الـ 9 % من الجريان السطحي وهي بلا شك كمية ضئيلة جداً، وبالنظر للأرقام السابقة نجد أن أكثر من ثلثي مياه الأمطار في سورية تضيع دون الاستفادة منها.
مبادرات مهملة!
لو عدنا في الذاكرة إلى تسعينيات القرن الماضي وتحديداً لعام 1996 نجد أنه قُدم العديد من الدراسات تطرح حلولاً ممكنة للحفاظ على مياه الأمطار من الهدر، منها دراسة ذات جدوى لإنشاء مجموعة من السدود في المنطقة الغربية من سهل الغاب، من أجل تجميع وتخزين مياه الأمطار والاستفادة منها، وبالرغم من أنه تم تلزيم الدراسة لشركة إيرانية وقامت بانجاز كل ما هو مطلوب في عام 1999 لكن للأسف ، لم تُؤخد نتائج الدراسة على محمل الجد، حيث لم يتم استثمارها رغم جدواها بحجة “أن التربة غير صالحة لإقامة السدود، وأنه لا يوجد المال الكافي لاستملاك أراضي مواقع السدود” وكل ما قامت به الجهات المعنية هو إقامة سدات بمخزون لا يقارن بمخزون السدود المخطط لإقامتها.
احتياجات سنوية
وللعلم قبل عام 2010 كانت منطقة الغاب تحتاج سنوياً لحوالي 480 مليون م3 في العام لري 80 ألف هكتار بمعدل وسطي 6000 م3 للهكتار، هذا عدا عن استهلاك معمل السكر، وبساتين جسر الشغور والذي يُقدّر بـ 20 مليون م3من المياه، وبذلك يكون الاحتياج السنوي الكلي 500 مليون م3، يتم تأمين 191 مليون م3 من المياه الجوفية كحد أقصى من تلك الاحتياجات سنوياً، وهذا بالتأكيد لا يكفي الفلاحين والمزارعين خاصة وأن بعض المحاصيل تحتاج لثلاث وأربع ريات كالشوندر السكري والقطن.
أهل الاختصاص من الخبراء الباحثين الزراعيين والمهندسين لوتم بناء السدود في المنطقة الغربية لسهل الغاب، كان يمكن أن توفر جزءاً مما تحتاجه المنطقة التي باتت تحت الخطر نظراً للزيادات الهائلة في السكان، وسوء شبكة مياه الصرف الصحي التي تلوث المياه الجوفية، وعدم محاسبة من يحفرون الآبار الارتوازية بشكل غير قانوني!، كل ذلك يهدد بتحوّل السهل إلى صحراء قاحلة وسط صمت المعنيين وقلة حيلتهم رغم أن الحلول المكنة والإسعافية بمقدورهم القيام بها!.
أرقام ..
وبحسب مصادر وزارة الموارد المائية أنها تعمل حالياً على “تأمين مياه الشرب بالكمية والنوعية المناسبة وبشكل مستدام لكافة التجمعات السكانية حيث تم حفر وتأهيل وتجهيز /272/ بئراً واستبدال وتجديد شبكات بطول /655/ كم وصيانة وتوريد /389/ مضخة وتأمين خطوط معفاة من التقنين لبعض المحطات وتنفيذ /115/ منظومة طاقة شمسية لتأمين التغذية الكهربائية اللازمة لعمليات الضخ بينما تم منذ بداية العام الجاري ولتاريخه حفر وتجهيز نحو 50 بئراً”.
ومع تقديرنا لما تقوم به الوزارة لكنه يبقى غير كافٍ قياساً بالخطر الداهم على مدى السنوات القادمة.
بالمختصر، الوضع المائي في سورية معقد ويتجه نحو العجز إن لم نقوم بالإجراءات اللازمة في مواجهة التغيرات المناخية، وإعادة بناء أنظمة التغذية المائية التي دمرتها الحرب.
ووسط هذا العجز بالحلول أمام العجز المائي القادم لا محالة نسأل: لماذا لا نعتمد على تقانة حصاد المياه والتي تعتمد على تجميع وتخزين مياه المطر الجارية، والتي تغور ضمن طبقة صخرية، قبل انقطاع جريان المياه باستخدام طرائق مختلفة يعرفها جيداً أهل الشأن المائي والزراعي؟، ولماذا لا تتحمس الجهات المعنية وتنفض الغبار عن عشرات الأبحاث الهامة التي تطرح حلولاً مجدية للحفاظ على أمننا المائي والزراعي والبيئي؟!