مجلة البعث الأسبوعية

العشوائيات تفضح استهتار البلديات بسلامة السوريين والمقاولون متلهفون للفوز بمشاريع مساكن المتضررين!!

البعث الأسبوعية ـ علي عبود

لا يمكن الحديث عن حماية وسلامة المواطنين ضد الكوارث الزلزالية بوجود مناطق شاسعة من العشوائيات أكبر من المناطق المنظمة، ومع أن زلزال 6/2/2023 كان بمثابة إنذار لوزارتي الأشغال والإدارة المحلية بفعل ما سببه من دمار في الأبنية غير المقاومة للزلازل، فإن ما من خطط لدى الوزارتين حتى الآن لإيجاد البدائل عن المناطق العشوائية التي كانت الأكثر تضرراً في المحافظات التي استهدفها الزلزال.

ولفتنا اندفاع المتعهدين والمقاولين للفوز بمشاريع السكن البديل للمتضررين وإعلانهم بأنهم جاهزون للبدء بإعادة ما دمره الزلزال في حال توفر التمويل.

لكن السؤال الذي لم تجب عليه الجهات المسؤولة حتى الآن: هل من خُطط أو رؤية لاستبدال العشوائيات بضواح سكنية بتقنيات التشييد السريع؟

والسؤال الأهم الذي يحتاج إلى إجابة حاسمة: هل من آليات فعالة لمحاسبة البلديات كي لا تكررها مجددا فتشجع على مزيد من العشوائيات بالتواطؤ مع متعهدي البناء؟

كود الزلازل مابين النظري والواقعي؟

نستنتج من تصريحات وزير الأشغال أن نقابة المهندسين وضعت كود الزلازل منذ عام 1996، وبأن (كل الأبنية السورية التي يتم ترخيصها يوافق عليها بعد التزامها بالكود) لكنه لم يُشر إلى الأبنية غير المرخصة التي تنتشر على مناطق واسعة في كل المحافظات تحت اسم العشوائيات، وهذا يعني أن الكود الهندسي لا يزال نظرياً لا يمت لواقع الأبنية بصلة باستثناء المنفذة من قبل الشركات الإنشائية، بدليل أن الزلزال لم يُدمر سواها تقريبا في صبيحة 6/2/2023.

وليس صحيحاً أن هناك فقط (بعض الأبنية) غير ملتزمة بكود الزلازل فحتى الأبنية المرخصة تم التلاعب بحمولاتها الإنشائية، من خلال سماح بعض المحافظات وخاصة محافظة دمشق لأصحابها ببناء طابق أو اثنين إضافيين عليها، أو الترخيص بإقامة منشآت سياحية في طوابقها الأرضية بعد حفريات بأساساتها وأقبيتها، كما أن الكود الزلزالي لم يطبق إلا نادرا جدا من قبل غالبية المقاولين ومتعهدي البناء، والذي دفع البعض منهم  إلى استخدام النحاتة كبديل عن الإسمنت.

نعم، قد تكشف التقارير الفنية الخاصة بالبنية الإنشائية لأبنية المناطق المنكوبة عن استهتار البلديات بتنفيذ الكود الزلزالي، وقد توثق هذه التقارير، بل وتفضح البلديات المسؤول الأول عن انتشار العشوائيات بأبنيتها الهشة، ولكن ماذا سيفيد هذا الكشف بعد وقوع الكارثة إن لم تتشدد الحكومة بتنفيذ الكود الزلزالي في القادم من السنوات؟

آليات لمراقبة أعمال البناء

وبما أن وزارة الأشغال متأكدة تماما بأن الأبنية مسبقة الصنع لدى المؤسسة العامة للإسكان وغيرها من المؤسسات الحكومية أكثر أماناً من ناحية مقاومتها للزلازل باعتبارها جملة إنشائية متكاملة وجدراناً متينة مقاومتها أكثر من الأبنية العادية، وبما أن الوزارة متأكدة أيضا أن الأبنية الأخرى إذا كانت ملتزمة بالكود السوري فهي لا تقل مقاومة عن الأبنية مسبقة الصنع، فلماذا لم تُنسٌق الوزارة مع زميلتها وزارة الإدارة المحلية لتنفيذ آليات مراقبة ملزمة للبلديات بمنع أي إشادة أبنية لا يلتزم أصحابها بكود الزلازل، وبعدم تسوية أي مخالفات تهدد البنية الإنشائية للأبنية السكنية!

وماذا يفيد المواطنين وجود كود هندسي يحميهم من الزلازل إن لم تراقب البلديات تنفيذه، هذا إن لم تشجع على نشر العشوائيات في طول البلاد وعرضها!

المقاولون جاهزون ؟

لم نفاجأ بردة الفعل الفورية للمقاولين بعد زلزال 6/2/2023، لكن المفاجأة  كانت بطبيعة الرد على الكارثة، فلم تعلن النقابة عن مبادرة إنسانية تساعد المتضررين في نكبتهم، كما فعلت غرف الصناعة والتجارة، بل بدا المقاولون في تصريحاتهم وكأنّ الزلزال ليس أكثر من فرصة ذهبية فتحت أمامهم جبهات عمل كبيرة لمتكن متوقعة ولا واردة في حساباتهم.

لقد أعلن نقيب المقاولين السوريين المهندس عبد الرحمن سليمان (إن الإمكانات لدى المقاولين موجودة لإعادة اعمار الأضرار الناجمة عن الزلزال، لكن الأمر مرتبط بتوافر السيولة قبل العمل).. أي أن المقاولين بانتظار الأموال للبدء بإعادة ما دمره الزلزال، لكن دون تقديم أي أفكار أو آليات فعالة لتأمين الأموال؟

وما يؤكد غياب أي أفكار أو مقترحات لدى نقابة المقاولين، توضيح نقيبها (أن التفكير ببناء ألف شقة خلال فترة قصيرة يوجب دفع مليارات الليرات شهرياً، والسؤال من سيغطيهم مادياً، وخاصة في ظل هذه الظروف؟ حيث لدينا عقود متعثرة بسبب نقص السيولة؟)!

ومثل هذه التصريحات تطرح السؤال: بماذا المقاولون جاهزون لإعمار ألف شقة خلال فترة قصيرة؟

لم يشر النقيب إلى جهات أخرى جاهزة للإعمار كالشركات الإنشائية، وشركات التطوير العقاري، أو مساعدات من دول صديقة وحليفة لديها تجارب بتقنيات التشييد السريع.

المقاولون أعلنوا عن شروطهم بصراحة:عندما تتوافر السيولة ،والمخططات، والإشراف الهندسي الذي يسهل العمل، يأتي دور المقاول، وعندها سيكون البناء سهلاً!

لقد تباهى نقيب المقاولين بوجود 5500 مقاول موزعين بكل المحافظات السورية، ومنهم مقاولون ينفذون مشاريع على مستوى سورية، وهذه الفئة تتحمل أعباء فوق طاقتها، وما زالت مستمرة بأعمالها..لكنه لم يشر فيما إذا كان هؤلاء المقاولين متقيدين بالاشتراطات الهندسية بأعمال البناء منذ عام 1996؟

والسؤال الأهم: ما دور نقابة المقاولين في نشر العشوائيات سواء بفعل عدد كبير أو قليل من أعضائها، أو بغض النظر عن المقاولين الذين يمارسون العمل من خارج النقابة؟

لقد اختصرت النقابة دورها في نطاق محدود جدا: نحن منفذون، وعندما تحدد منطقة عقارية أو تنظيمية أو سياحية ويطلبون منا التنفيذ نحن جاهزون وسنسرع في التنفيذ!

والسؤال: ما هي اشتراطات التنفيذ من جهة ومن يراقب التقيد بها من جهة أخرى؟

ما سبب هشاشة أبنية القطاع الخاص؟

وبما أن زلزال 6/2/2023 كشف عن مناطق سكن واسعة مبانيها كانت هشة جدا فانهارت بطرفة عين فهذا يعني أن (البناء في سورية لم يكن بخير) إلا في المناطق المنفذة من قبل الشركات الحكومية.

والسؤال: ما سبب هشاشة الكثير من أبنية القطاع الخاص؟

يكشف نقيب المقاولين بأن السبب هو غياب المهندس المشرف عن أعمال المقاولات.. والسؤال: لماذا لا يلتزم المقاولون بالمهندس المشرف لضمان سلامة البناء من الزلازل؟

يرى النقيب بأن (طلب نسبة 2.5 بالمئة من قيمة العقار للإشراف هو رقم مرعب)، في حين لم يصف أرباح المقاول بالمرعبة.. فلماذا؟

نعم، قد يكون المبلغ الذي يتقاضاه المهندس المشرف كبيراً، لكنه ضئيلاً جداً مقارنة بالمبلغ الذي يتقاضاه المقاول الذي ينفذ أعمال البناء، وضئيلا جداً أيضاً بالمبلغ الذي تتقاضاه المكاتب العقارية عند عمليات بيع الشقق السكنية، مع التأكيد بأن أي مبلغ للمهندس المشرف يعد زهيدا مقابل منع انهيار الأبنية عند وقوع كارثة كالزلزال، بل آن الكثير من الأبنية انهارت دون زلازل بفعل مخالفات خطيرة في (خلطات البيتون والحديد) أو التلاعب بأساساتها وأسطحها لإضافة مساحات بناء جديدة قيمتها الرائجة بالمليارات!

السؤال الملح: لماذا يبدأ  المقاول بأعمال البناء قبل إلزام صاحب العقار بتعيين مهندس مشرف؟

الخلاصة:

إن عملية الغش الأولى في أعمال البناء تبدأ من بيتون المجابل العامة والخاصة المخالفة للمواصفات، وعندما يقبل المقاول بغياب المهندس المشرف (أو تساهله)  باستخدام البيتون المخالف.. فهذا يعني تنفيذ بناء قابل للانهيار دون زلازل عاجلا أو آجلا !