مجلة البعث الأسبوعية

المخرج المسرحي الأردني عبد سلام قبيلات كنت أحلم أن تُفتح أبواب دمشق لي

أمينة عباس

زار دمشق مراراً قبلالحرب وأثناءها، وكان على الدوام على تواصل مع زملائه الفنانين والمثقفين السوريين،ولم يفعل ذلك إلا لشعوره بالانتماء الصادق لسورية كونها البلد الأم في بلاد الشام..يقول: “مصير الأردنيين–شئنا أم أبينا– مرتبط بمصير سورية، وأنا أقول هذا بعيداً عن التنظير، لاسيما وأن الأردنيين شعروا أن حصار سورية حاصرهم أيضاً بالمعنى الفعلي وليس المجازي للكلمة، وقد شعروا كما لو أن الأبواب أُغلقت عليهم مثلما أُغلقت على السوريين”.. من هنا كانت سعادة المخرج المسرحي الأردني د.عبد السلام قبيلات كبيرة بوجوده اليوم في سورية وعرض مسرحيته “ادفع ما بدفع” على خشبة مسرح الحمراء وتعريف الجمهور السوري من خلالها على مسرح الشمس الذي أسسه منذ خمس سنوات.

 

*ما أهمية استضافة دمشق لمسرحيتك”ادفع ما بدفع”؟

**كنت دائماً أحلم أن تُفتح أبواب دمشق لي،خاصة بعد تأسيسي لمسرح الشمس، فقد طمحتُ لأن يمارس نشاطه ليس في الأردن وحسب بل في بلاد الشام أيضاً، وقد قمنا كإدارة للمسرح بالتواصل مع مديرية المسارح والموسيقا ممثلةًبمديرها الأستاذ عماد جلول وزرنا دمشق عدة مرات والتقينا خلالها مع مجموعة من المؤسسات الثقافية، خاصة تلك التي تعمل في قطاع الفنون مثل المؤسسة العامة للسينما والمعهد العالي للفنون المسرحية ودار الأسد للثقافة والفنون ومدرسة الفن المسرحي ومسرح القباني ومسرح الحمراء، وغيرها، بالإضافة إلى ذلك التقينا زملاءنا وأصدقاءنا الفنانين مثل أيمن زيدان الذي زارنا في مسرح الشمس قبل سنوات ودعمَنا في سعينا لإقامة علاقات فنية ثنائية مع مديرية المسارح والموسيقا،وكذلك الفنان فايز قزق والمخرج سامر محمد اسماعيل الذي لبى دعوتنا لعرض مسرحيته “كاستنج” في مسرح الشمس في الأردن، وأقمنا احتفالاً مشتركاً بيوم المسرح العالمي عام ٢٠٢٢وكل هذه اللقاءات أثمرت نتائج مهمة وانبثق عنها تعاونٌ مع مديرية المسارح والموسيقا إلى أن وصلنا الآن الى عرض مسرحية “ادفع ما بدفع” على خشبة مسرح الحمراء،وهذا الأمر يبعث فينا مشاعر فخر وفرح حقيقية.

*المسرحية عن نص للكاتب المسرحي الإيطالي داريو فو،فكيف تعاملت كمخرج معه على صعيد الشكل والمضمون؟

**حين قرأت مسرحية “ادفع ما بدفع” قررتُأن أقوم بإخراجها في مسرح الشمس، لكنني لم أعثر على النص مترجماً للّغة العربية، ثم علمتُ أن الفنان أيمن زيدان قد أخرج هذا النص سابقاً تحت عنوان “سوبر ماركت” فتوجهتُ إليه راجياً منه إعارتي النص المترجَم للعربية فقدمه لي بصدر رحب، لذلك أنا في غاية الامتنان له،وبالاعتماد عليه وعلى النص الروسي قمتُ بإعداد نص جديد ينطلق من الحكاية ذاتها إنما ببعض التصرف وبما ينسجم مع رؤيتي الفنية والإخراجية، محاولاً(أردنة) النص المسرحي بحيث يعبّرعنالواقع وقضايا الإنسان الأردني ومشاكله، وقدمنا أول عرض للمسرحية عام ٢٠١٧ ولا زالت عروضها مستمرة حتى الآن بالرغم من التغييرات التي اضطررنا إلىإجرائها على الممثلين بسبب انشغالاتهمأو سفرهم،وهذه هي السنة السادسة من عمر المسرحية، وهي حالة غير مسبوقة في المسرح الأردني، وقليلة في المسرح العربي.

*سبق وأن قُدمت المسرحية من قبل الفنان أيمن زيدان..ألا تخشى من عملية المقارنة بينهما؟

**القيام بإخراج مسرحية تم إخراجها سابقاً مسألة طبيعية في المسرح عموماً، فكل مخرج له رؤيته، وهناك الكثير من العوامل التي تحدد هذه الرؤية مثل عامل المكان والزمان وزاوية النظر التي يرى كل مخرج منها النص والمواضيع التي يهم المخرج طرحها والمقولات العليا التي يسعى لتقديمها، فضلاً عن رؤيته الفنية الخاصة وأسلوبه الإخراجي الذي يجده منسجماً مع باقي العوامل الأخرى وتحقق بالمحصلة مقولته الفنية والفكرية،وبوسع أي مخرج أن يتناول أي نص من زاوية نظره الخاصة،فقد تم إخراج مسرحية “هاملت”مئات المرات بأساليب ورؤى إخراجية مختلفة، وكذلك الأمر بالنسبة لكثير من النصوص العالمية، مع الإشارة إلى أنني لا أحبذ فكرة المقارنة في حالات كهذه لأن المقارنة لن تكون صحيحة، فللمسرح معاييره التي لا تخضع لمعادلات صارمة في التقييم.

*هل تعتقد أنه بإمكان المخرج المسرحي أن يقيّم أعماله؟

**بالنسبة لي فإنني أقوم بعملي حسب النص والفكرة والقصة،ولا أعتقد أنني أمتلك حق تقييم أعمالي لأن هذه مهمة النقاد والمختصين والجمهور، ولا أظن أن المسرح يمكن أن يتطور لو ألقيت مهمة تقييم الأعمال على أصحابه، لكنني كمخرج أحب أن أغوص في أعماق النص، وحسب وجهة نظري فهذه هي خاصية الإخراج ومهمته، وقد تعلمتُ في روسيا حيث درست وعملت وعشت وأعيش حتى هذه اللحظة بأن أحترم النص كضرورة وأساس لولادة العمل الفني، ففيه يمكن النبش وكشف المكنونات ومن ثم تطويعه لقراءتي الفنية ولرؤيتي التي تتشكل بفضل إشارات أستنبط فحواها من النص ذاته.

*درستَ الإخراج المسرحي في روسيا وأسستَ فيها مسرح-ستوديو كوب،فما الذي جعلك تعود للأردن بين فترة وأخرى؟

**قبل تأسيس مسرح الشمس كنت أعمل وأقيم في روسيا لزمن طويل، لكنني بعد بدء ما سُمّي (الربيع العربي) بدأتُ أشعر بخطورة الأسئلة المطروحة في العالم العربي، وهي أسئلة ذات طابع مصيري، كأن نكون أو لا نكون، فثمة مؤامرة كبرى تتعرض لها منطقتنا العربية،وهي ليست مؤامرة جديدة بل استمرار لمؤامرة  حيكت ضد الدول العربية منذ زرع الكيان الصهيوني في قلبه، وجاء (الربيع العربي)المشؤوم ليشكل أخطر حلقاتها،ففي البداية كانت فلسطين ثم العراق ثم ليبيا ثم سورية ثم اليمن، ولم يكن من المعروف أين سينتهي هذا الدمار، ولست أزعم هنا أن للمسرح دوراً سياسياً يتوجب عليه أن يمارسه، لكن عليه أن يدافع عن الإنسان وأن يقف ضد تشويهه وتحويله إلى عبد وأن يحاول بعث المفاهيم الجمالية والأخلاقية  لديه والتي تتناقض على جميع المستويات مع ما يُراد نشره ويتم الترويج له من ثقافة التطرف والخوف واليأس.

*ماذا عن مسرح الشمس والأهداف التي يطمح إليها؟

**قمت بتأسيس مسرح الشمس رغبةً مني في سدّ ثغرة ناتجة عن عدم وجود مسرح حسب المعايير المعروفة، أي مسرح يُعني بإنتاج الأعمال المسرحية وعرضها بشكل دائم ومستمر، مسرح ببرنامج يقدم أعمالاً تثير اهتمام الجمهور وتجذبه، فيشتري التذاكر لمشاهدتها، أعمال ينتجها المسرح ذاته، أو يستضيفها أو يعرضها من خلال برامج شراكات.. وللأسف فقد واجهتُ بعض الصعوبات، لاسيما في مسألة إنتاج الأعمال المسرحية، إذ راهنتُ في البدء عند تأسيس المسرح على إمكانية الحصول على دعم من المؤسسات الحكومية والأهلية والخاصة في الأردن لإنتاج هذه الأعمال، غير أنه سرعان ما تبين لي أن الأمور ليست بالسهولة الرومانسية التي تصورتُها في البداية، أما الدافع الآخر الذي دفعني لتأسيس المسرحفهو شعوري بأهمية الدور الذي يتوجب على المسرح أن يؤديه، لاسيما في الظروف التي يعيشها عالمنا العربي، وهنا أقصد (الربيع العربي) الذي انتشر فيه الفكر الرجعي المتطرف الإرهابي الذي لا يقيم اعتباراً للإنسان، ولا يرى الإنسان إلا كعبد خاضع مرعوب ومقهور، وإن رفع رأسه فسيُقطع، عبد في الجوهر لمشروع استعماري يهدف لتفتيت أوطاننا وتدميرها وتحويل الشعوب إلى سكان خاضعين ومحرومين من أبسط الحقوق الإنسانية ومن أي أمل بالتطور والنهضة، فضلاً عن ذلك فقد وضعنا أمامنا في مسرح الشمس مهمة التصدي لقضايا الناس ومشاكلهم الحياتية والاقتصادية، ومن هذه المهمة وُلِد شعار مسرحنا “مسرح الشمس مسرح الناس” وبناء على ذلك قمنا بإنتاج عروض مسرحية تهتم بقضايا الناس وبأسئلة وجودهم.

*ما بين البدايات واليوم كيف تقيّم تجربة مسرح الشمس؟

**بعد مرور خمس سنوات على تأسيس المسرح بوسعي القول أن فكرة وجود مسرح جماهيري يعمل على مدار العام قد تحققت، فقد استطعنا استقطاب الجمهور بعد أن فشلت المهرجانات باستقطابه،وأصبحنا نرى الناس يأتون إلى المسرح أفراداً ومع عائلاتهم، وأعترف هنا أن اعتقاداًغير صحيح انتابني في بداية تأسيسي للمسرح مفاده أن جمهور المسرح سيتشكل من المثقفين وأن الناس البسطاء سيتقاعسون أو سيترددون  في ارتياده، لكنني فوجئتُ أن المثقفين غابوا عنه بينما جاءنا الجمهور البسيط العادي، وحينها وضِعْنا أمام تحدّمعقّدهو أن ننجح في تقديم عروض مسرحية ممتعة تشدّ انتباه الجمهور وتقدم له متعة فنية، وفي الآن ذاته تحمل مضامين فكرية بمستوى لائق، وهذا هو التحدي الذي نخوضه بشكل دائم ونستمتع بحل معادلاته المثيرة، ومن جانب آخر كشف لي هذا الأمر حجمَ الأزمة التي تعيشها النخب الثقافية في مجتمعاتنا العربيةوالتي بدت لي أنها عاجزة عن فعل ما تقول وعن تأدية دورها التنويري الثقافي، هذا عدا عن كونها انعزلت عن مجتمعاتها وصارت غريبة عن واقعها، حيث سادت نماذج مثقفين تقودهم مصالحهم وتحركهم العطايا ولا يعنيهم الدور الحقيقي للمثقف، ولا زالت أمامنا طموحات نتمنى لو تتحقق، أهمها رغبتنا في جعل المسرحيين ينخرطون بشكل أفضل وأوسع في عمل المسرح، فنشاط أغلبهم لا يزال مقتصراً على المهرجانات، ولا يزالون يعتاشون على الأعطيات لأنها تجنّبهم مخاطر التوجه لجمهور يدفع ثمن التذكرة، كما تواجهنا مشكلة شحّ الدعم، فنحن نسعى لزيادة الأعمال المسرحية المنتجَة والتي تصنع ريبورتواراً، أي عروضاً دائمة لأعمال متعددة تمنح المشاهد فرصة الاختيار، غير أن الدعم لإنتاجها غير متوفر، لهذا فإن عدد الأعمال المنتجة في المسرح لا يزال قليلاً، وما ننتجه إنما ننتجه بأقل التكاليف.

*كيف هو واقع المسرح في الأردن؟ وما هي أبرز التحديات التي تواجهه؟

**ترتكز الحالة المسرحية السائدة في الاردن في الأساس على إقامة المهرجانات المسرحية التي تجري مرة واحدة في العام، وهي لا تستهدف الجمهور، لذلك يغيب عنها، ويأتي المسرحيون بدلاً منه،ليبدو المشهد كما لو أن المسرحيين يقيمون مهرجانات مسرحية من أجل أنفسهم، وهذه الحالة لا تعبّر عن وجود حركة مسرحية لأن أهم عنصر في الحياة المسرحية هو الجمهور، والجمهور غائب.