“مير”.. حركة دولية لمحبي روسيا
البعث الأسبوعية- هيفاء علي
منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا في شباط من العام الماضي، كانت وسائل الإعلام العالمية النخبوية لا تعرف الكلل لـ “شيطنة” ثقافة وتاريخ روسيا، لكن كما هو متوقع، فشلت حملتهم فشلاً ذريعاً.
بهذه المقدمة الموجزة احتفلت الحركة الدولية لمحبي روسيا “مير” -تضم أصدقاء ووفود من 42 دولة- التي تم افتتاحها مؤخراً بمؤتمرها التأسيسي في آذار الماضي في موسكو بسلسلة رائعة من الفعاليات العامة المنظمة جيداً . كانت الحفلة الترحيبية شأناً روسياً للغاية تميزت بالفعاليات والنشاطات الموسيقية، بالإضافة الى تقديم الأطباق الروسية من الطعام.
وفي اليوم التالي، عقدت الحركة مؤتمرها التأسيسي في ردهة زجاجية كبيرة في المتحف الرئيسي في روسيا مخصص لشاعرها المفضل العبقري الروسي ألكسندر بوشكين، حيث رحبت الشخصيات السياسية الروسية ذات الثقل الكبير من جميع مناحي الحياة بالمندوبين، بدءاً بوزير الخارجية سيرغي لافروف، وماريا زاخاروفا، والعديد من قادة أكبر الأحزاب السياسية في روسيا، وأعضاء بارزين في الحكومة، مثل قسطنطين مالوفيف، والفيلسوف السياسي المؤثر ألكسندر دوغين. كما كان هناك ترحيب حار من رئيس الكنيسة الروسية البطريرك كيرلس نقله السيد مالوفيف. فيما ألقى رئيس الأساقفة الإيطالي فيغانو، السفير البابوي السابق للولايات المتحدة والناقد الصريح للبابا فرانسيس، خطاباً لا يُنسى في يوم من الخطب العظيمة، حيث ألقى خطاباً مدته 10 دقائق عبر رابط فيديو، داعياً لـ روسيا “المعقل الأخير للحضارة ضد البربرية”.
ألقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الكلمة الرئيسية في هذا الحدث، كما تحدث الأعضاء المؤسسون في الحركة، ومنهم الصحفي البرازيلي الشهير بيبي إسكوبار، ورجل الأعمال بيير ديغول، حفيد الرئيس الفرنسي السابق، والمؤلف الإيطالي الشهير، والباحث والناشط العام، ورئيسة المجتمع العربي الألماني، الأميرة الدكتورة فيتوريا ألياتا، والسياسي والناشط الألماني فالديمار هيردت، عضو سابق في البوندستاغ لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا.
أوضح إسكوبار سبب انضمامه إلى الحركة قائلاً: “خلال ما يقرب من أربعة عقود من عملي كمراسل أجنبي، لم أكن أبداً جزءاً من أي حركة سياسية / ثقافية في أي مكان في العالم، لكن هذا أمر بالغ الخطورة، فالنخب الحالية المتواضعة بشكل ميؤوس منه، من “النخب” في الغرب الجماعي لا تريد شيئاً أقل من إلغاء روسيا على جميع المستويات”.
في وقت لاحق من ذلك المساء، تناول المندوبون والأصدقاء العشاء في “بيت الاستقبال” بوزارة الخارجية، وهو قصر غير عادي من القرن التاسع عشر من الطراز القوطي الجديد في وسط موسكو كان يملكه في يوم من الأيام أحد أغنى الرجال في روسيا القيصرية، وتستخدمه الوزارة الآن لأفخم الأحداث الاجتماعية. حضر العشاء كلاً من وزير الخارجية سيرغي لافروف، والمتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا مع شخصيات بارزة أخرى، حيث منحوا الكثير من وقتهم للضيوف، وغالباً ما كانوا يتسكعون في مجموعات صغيرة في تبادل حي للأفكار في مثال حي على استخدام روسيا الرسمية للسحر الشخصي والدبلوماسية بطريقة فعالة بشكل غير عادي. ومن الأسماء البارزة الأخرى التي حضرت الفعاليات، الصحفية الألمانية ألينا ليب، والناشط الروسي ورجل الأعمال أليكسي كوموف، والممثل الأمريكي ستيفن سيغال، والكاهن المسيحي الأرثوذكسي الأمريكي الأب جوزيف جليسون، والصحفي الألماني البديل توماس روبر.
كان حماس الحركة يذهب مباشرة إلى بوتين، الذي منح مالينوف ميدالية نادرة، وهي “وسام الصداقة”، في عام 2019، وفي ذلك الوقت، أخبر مالينوف بوتين عن رغبته في إنشاء حركة عالمية، وأيد بوتين هذه الفكرة بحرارة. والسؤال الرئيسي هو ما إذا كانت الحركة الدولية لمحبي روسيا، بعد هذا الإطلاق القوي، قد بدأت في العمل وتقوم بالعمل الجاد اللازم للوفاء بوعده.
في الواقع، إن المزايا الدبلوماسية والقوة الناعمة والعلاقات العامة للحركة واضحة، وفي مواجهة حملة إعلامية عالمية واسعة النطاق لعزل روسيا، فإن ملايين الأشخاص حول العالم، وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، إقليم النخبة العولمة، رفضوا الشيطنة وقالوا إنهم بدلاً من ذلك، يحبون روسيا ويعجبون بها لعدة أسباب، وهذا هو بالضبط ما تراهن عليه حركة ” مير”.
حقيقة، تمتلك روسيا، موارد هائلة وغير مستغلة إلى حد كبير من القوة الناعمة في الثراء والشعبية غير العادية لإنجازاتها الثقافية والمسيحية والتاريخية على مر القرون، من الأدب والموسيقى والباليه والرقص والفن والرياضة وما إلى ذلك. هم أسطوريون ومحبوبون على نطاق واسع، ومن المستغرب أن يخضعوا لحملة شيطنة روتينية للعولمة. من جهة أخرى ثمة جبهة أخرى مقنعة هي ظهور روسيا كمدافع رئيسي عن المسيحية السائدة، وعقود من دعم السيادة والحركات المناهضة للاستعمار في العالم الثالث أكسبت روسيا أصدقاء ومعجبين في جميع أنحاء جنوب الكرة الأرضية.
ونتيجة ما تقدم، يبدو أن ولادة هذه الحركة جاء في الوقت المناسب بالتزامن مع زيادة مذهلة في الدعم والتعاطف مع روسيا في الغرب، وحول العالم في الأشهر الأخيرة رداً على الصراع في أوكرانيا. فإذا كانت الدعاية الغربية للعولمة هي السائدة في بداية التدخل العسكري قبل 14 شهراً، مما أدى إلى توليد تعاطف قوي مع أوكرانيا، فمنذ ذلك الحين كان لدى السكان الغربيين الوقت الكافي لفهم الصراع بشكل أفضل، ومع انتشار الحقائق على نطاق واسع على الإنترنت في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، ازداد الدعم لروسيا بشكل كبير، ووصل إلى مستويات كبيرة مثل 30٪ في الولايات المتحدة، مما أدى إلى الضغط على قدرة مؤسسة المحافظين الجدد على مواصلة الحرب. وبعد شهر من إنشاء الحركة الدولية لمحبي روسيا، أوضح مالينوف أن العمل يسير بأقصى سرعة وخطط مبهرة إلى حد ما، حيث يقومون حالياً ببناء موقع ويب عالمي بلغات متعددة يمكن للأعضاء من خلاله البقاء على اتصال بالحركة، والتعرف على أحدث الأنشطة، والسماح للأشخاص بالتسجيل والانضمام. كما أنهم يخططون لسلسلة من الأحداث عبر الإنترنت على مدار العام، مثل “حلقات نقاش” افتراضية حول مجموعة من الموضوعات المتعلقة بالثقافة والتاريخ الروسيين. وقد تم إجراء أقرب مناقشة عبر الإنترنت لمدة 24 ساعة حول التعددية القطبية في 29 نيسان الماضي. كما يتم التخطيط لعقد مائدة مستديرة مادية في صربيا في نهاية حزيران الجاري، أيضاً بمشاركة عبر الإنترنت. وأحد الاحتمالات قيد المناقشة هو إطلاق عريضة في الاتحاد الأوروبي بهدف جمع مليون توقيع للمطالبة بإنهاء العقوبات الاقتصادية الجائرة ضد روسيا، والتي من شأنها أن تفرض، بموجب القانون، مناقشة حول هذا الموضوع في البرلمان الأوروبي.
زيادة على ذلك، ستكون “دبلوماسية الناس” في قلب الحركة، والتي ستشمل تشجيع السياحة إلى روسيا، وجعل التأشيرات السياحية إجراءً بسيطاً وخالياً من المتاعب. في كانون الثاني 2024، ستنظم الحركة حدث كبير في موسكو، يجمع مرة أخرى مئات الأشخاص من جميع أنحاء العالم باسم ” محبي روسيا”.