خطة تمزيق السودان
ريا خوري
لم يتوقف العمل من أجل تحقيق مشروع تقسيم السودان وفقاً لمشروع “الشرق الأوسط الكبير” أو “الجديد” الذي وضعه المفكر اليهودي البريطاني الأصل أمريكي الجنسية برنارد لويس، والذي نجح في التطبيق لفكرة تقسيم الوطن العربي بعد أن حوّلها إلى خطط وإجراءات، وبرامج عمل ضدّ العرب، والذي تمثله الآن الولايات المتحدة الأميركية والغرب الأوروبي والصهيوني.
هذا المخطط المدروس بعناية فائقة يعنينا كثيراً في هذه اللحظة الفارقة بعد أن تم تقسيم السودان إلى شمالي وجنوبي، حيث تشير الوثائق إلى أنّ السودان يجب أن يُقسّم إلى أربع دويلات على النحو التالي: الأولى دويلة النوبة وهي دويلة متكاملة مع دويلة النوبة في أراضي جمهورية مصر العربية التي عاصمتها أسوان، والثانية دويلة الشمال السوداني، والثالثة دويلة الجنوب السوداني، والرابعة دويلة دارفور الغنية باليورانيوم والذهب والنفط.
الجدير بالذكر أنّ الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد استغلت وجود الرئيس السابق عمر حسن البشير في سدة الحكم، وتمكنت من الهيمنة والسيطرة عليه وأجبرته على تنفيذ الجزء الأوّل من مخطط برنارد لويس لتقسيم السودان مطلع عام 2011، حيث تم التقسيم الأوّل للسودان إلى دويلتين الأولى في الشمال والثانية في الجنوب.
من يتابع الخطوط العامة لمشروع تقسيم السودان يجد أنَّ المشروع قد دفع للتنفيذ، والتي بدأت خطته بعملية تفكيك التماسك الإقليمي ووحدة الأراضي السودانية. من هنا تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من إشعال النيران، ونشر الفتنة بين القادة والمجتمع السوداني عبر أدواتها وأذرعها المختلفة لزيادة تعقيد الموقف وتأجيجه عبر مواجهة مسلحة شرسة بين الجيش السوداني خلال حكم البشير وقوات الدعم السريع التي صنعها أيضاً البشير لتكون ذراعه القوية للضغط على “الجنجويد” في إقليم دارفور وتأديبهم.
ومنذ ذلك الوقت، أصبح السودان يمتلك جيشاً مخترقاً يُقدّر بمئة ألف جندي، وفي المقابل توجد قوات مسلحة من المواطنين السودانيين والأفارقة موازية للجيش تقترب من مئة ألف مسلح أيضاً، لكن المحزن بالأمر أنَّ طرفي النزاع مدعومان بقوة من قوى خارجية، حيث يراد لتلك المواجهة المرسومة تدمير السودان وتفتيته من الداخل وبأيدي السودانيين. كما يراد لتلك المعارك أن لا تسفر عن أي انتصار لأي طرفٍ من الأطراف على الطرف الآخر، وهذا ما يحصل عملياً.
لذلك يجب أن يتحرّك القادة العرب المدافعين عن التراب العربي ومكوناته الإنسانية، خاصةً أنّ المخطط الجهنمي الخبيث يستهدف المنطقة بكاملها دون استثناء، ويستهدف معها الصين الشعبية، وروسيا الاتحادية اللتان لهما دور متنامي داخل القارة الإفريقية، وتعطيل تنفيذ وولادة الخريطة الدولية الجديدة المتعدّدة الأقطاب التي ستكون لدول “البريكس” دور هام فيها.
إن تركيز الأعمال العسكرية من كلا الطرفين على إقليم دارفور، وغرب السودان تحديداً هي محاولة لفصل ذلك الإقليم، وإقامة دولة سودانية ثالثة بعد تمزيق وحدة ذلك البلد الكبير. وفي ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة يمكن أن تسمح بذلك بل وتساعد عليه، ويبقى شرق السودان بمساحته الهائلة وفراغه السكاني النسبي مطمعاً للعديد من القوى الإقليمية والدول الخارجية، وهذه المحاولة تهدف إلى تفكيك الدولة السودانية لتكون مقدمة لمزيد من تمزيق السودان الكبير، وتحويله إلى دويلات صغيرة مقسّمة ومنقسمة على ذاتها، حيث تجد بعض القوى الإقليمية المحيطة بالسودان فيها موطئاً لقدم، واختراقاً واضحاً، ونقطة للانطلاق والانتشار منها إلى بلدان أخرى.
وجب التنبيه إلى أنَّ تصوّر البعض في أنَّ ما جرى ويجري في السودان هو نوع من الحرب الأهلية أو المواجهة الداخلية لفترةٍ محدّدة هو ليس الواقع، لأنّ الأمر يتجاوز ذلك بكثير، فما حدث هو بداية لا نهاية لها، وأنه من الواضح أن الاستهداف الكبير والرئيسي يسعى لأن يحصد نتائج جديدة تخدم اغراضاً محدّدة مسبقاً، وتحقق مصالح ومزايا إقليمية لأطراف أخرى منظورة وغير منظورة.
لقد بات الجميع يعرف من يمارس الدعم المادي والعسكري واللوجستي للفصائل المتمردة على حساب وحدة السودان وتماسك مكانته، فقد تابعنا العديد من المحاولات التي تعمل على إحياء حركة “الإخوان المسلمين”، وتشجيع أكبر عدد من العناصر المتطرفة لاقتحام المشهد وممارسة أعمال وسلوك تبدو وكأنها مقدمات لحدثٍ كبير، بخاصة وأن كثيراً من الإدارات والمؤسسات والهيئات والجمعيات المعنية كانت حريصة على مسايرة الأوضاع الجديدة في السودان، وإظهار الدعم لها بقوة، ومن تابع مسار عمليات التدمير والحرق والتخريب التي جرى تبادلها بين الطرفين المتصارعين لا بد أن يشعر بدرجة عالية من القهر والحزن، لأن السودان ذلك البلد العربي الكبير كان قد بدأ مسيرته نحو الاتجاه للاستقرار على امتداد الخريطة الجديدة.
في هذا السياق لا بدّ من التأكيد على أن الشعب العربي السوداني يعشق الحرية، ويتمسك دائماً بالمعايير الوطنية، ولا يمكنه التسامح مع من كان سبباً لما أحاط بالسودان من قتل وتدمير وخراب، ومن هنا على كل من يريد التصدي للأزمة السودانية أن يكون مقبولاً من الشعب نفسه.