سامر محمد إسماعيل: “ماورد” كل ما أكتبه يعكس الشخصية السورية
ملده شويكاني
موسيقا البيانو وآهات الفوكاليز وألوان الورد التي انسدلت على الستائر والجدران وأثواب نوارة تكاملت مع حقول الوردة الشامية وألوانها، فأغنت الصورة البصرية الرائعة لفيلم “ماورد” سيناريو سامر محمد إسماعيل وإخراج أحمد إبراهيم أحمد وإنتاج المؤسسة العامة للسينما، والذي عُرض في جلسة النادي السينمائي لمؤسسة أحفاد عشتار بالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما بإشراف المخرج وليم عبد الله، في سينما الكيندي.
يختزل الفيلم ثلاث مراحل تاريخية هامة من تاريخ سورية المعاصر، وينتقد واقع التعليم الذي يعتمد على العقوبة والضرب وإن تغيّرت المرحلة، ويسرد قصة حبّ تداخلت مع الأوضاع السياسية.
اعتمد الفيلم على الرمزية والإيحاءات وإظهار الوجه الخفي للشخصية وتمرير فواصل المشاهد الصامتة لتكون الموسيقا هي البطل، وعلى تقنية القطع والانتقالات المشهدية بين الفلاش باك والحاضر.
يبدأ الفيلم من مرحلة ما بعد الاستعمار العثماني وتعليم الطلاب بالكتّاب على يد الشيخ -عبد اللطيف عبد الحميد، الذي يتعامل بقسوة مع طلابه ويفسر الضرب لمصلحتهم، وينتهي دوره بمشهد احتراق منزله وبداخله زوجته المريضة واقتحامه المنزل رغم النيران؛ لتأتي المرحلة الثانية مع أستاذ المدرسة المتحضر (رامز أسود) وزوجته الفرنسية لوسيان (نورا رحال)، إلا أنه يتعامل أيضاً بالضرب، وتكشف المشاهد عن سرهما بالاستيلاء على الكنز “تصنيع زيت عطر الورد” إيماءة إلى طمع المستعمر الفرنسي بثروات بلدنا؛ ثم الانضمام إلى حزب البعث العربي الاشتراكي وتبني مفهوم العمل الجماعي والتطوعي ورغم ذلك يتعامل أستاذ المدرسة (فادي صبيح) بالضرب. وهناك محمود “الجد” الشخصية المحورية بالفيلم يسرد الأحداث بأسلوب الفلاش باك، وهو على سرير المرض، أما محمود الحفيد أحد جنود الجيش العربي السوري، فمن خلاله يدخل المخرج خط الحرب بتحرير المنطقة ودخوله منزل جده وإحضار صور نوارة والكاميرا، بعدما قطع داعش الورود وخربوا القرية فسالت الدماء مع أوراق الورد.
نوارة كانت رمزاً، وقع بغرامها الجميع الشيخ والأساتذة ومحمود الذي كان يصغرها وهو ابن مصلح الأحذية الذي يضطر لترك المدرسة بعد وفاة والده، إلا أنها أحبت الأستاذ المتحضر ظاهرياً الخائن للوطن في حقيقة الأمر، ودفعت حياتها ثمناً لهذا الحب.
الصور العاطفية لنوارة وقعت بالخطأ بيد أخيها الأخرس (وسيم قزق)، فيخنقها بخزان ماء الورد، بعد إلقاء القبض على الأستاذ وهرب زوجته مع قارورات رزق القرية.
المشهد الأخير يومئ بانتصار سورية وصمودها ببقاء الوردة الشامية وخلع النساء الثياب السوداء لتحل مكانها ألوان الحياة.
الاقتباس الحر
وبعد العرض تحاور الكاتب سامر محمد إسماعيل مع المخرج وليم عبد الله وجمهور النادي مستحضراً كواليس الفيلم والمراحل التي مرت ليرى النور، إذ تم اقتناؤه من قبل المؤسسة العامة للسينما في عام 2013، وتم عرضه الأول عام 2017 وحصل على جوائز عدة.
فبدأ المخرج وليم عبد الله معه من الاقتباس والعنوان؟ الفيلم اقتباس حر عن قصة الأديب محمود عبد الواحد “عندما يقرع الجرس” لكن الاقتباس فيما يتعلق بضرب التلاميذ والناحية التعليمية فقط، ولا تتطرق القصة إلى الوردة الشامية وصناعة تقطير زيت الورد ولا ترد فيها كل شخصيات الفيلم، والسيناريو يعكس الشخصية السورية مثل أي عمل أكتبه، والوردة الشامية كانت محور الفيلم برمزية كونها إحدى مفردات تراثنا اللامادي.
أما العنوان فاقترحتُ عنوانين “ماورد” و”ثلاث أرواح للوردة” ورأت إدارة المؤسسة أنه عنوان أدبي أكثر من سينمائي، فتمّ الاتفاق على ماورد، أي ماء الورد.
وتابع عن الإخراج إذ كانت خطة المؤسسة أن يتناوب ثلاثة مخرجين على إخراج الفيلم بأساليب مختلفة، كونه يقسم إلى ثلاث مراحل مثل تجارب سابقة للمؤسسة، إلا أنه تم الاتفاق على تنفيذه بتوقيع المخرج أحمد إبراهيم أحمد بوحدة متكاملة وصيغة واحدة وكنتُ مع هذا الخيار.
وخلال التصوير لم أتدخل وانتهى دوري بكتابة السيناريو الذي اعتُمد بعد تعديلات طلبتها المؤسسة.
اكتظاظ الأحداث وتكثيفها كان إحدى المسائل التي ناقشها الجمهور مع إسماعيل، إذ أضاعت تركيز المشاهد بسبب القطع والانتقال إلى فكرة جديدة، لاسيما أن المشاهدين من شرائح ومستويات فكرية مختلفة، وبعضهم لا يملك القدرة على التحليل والربط، وتطرقت إحدى الحاضرات إلى بساطة السينما المصرية المتسلسلة من حيث المقدمة والعرض والخاتمة.
السينما التجريبية
فعقب إسماعيل بأنه توجد مشاهد صوّرت ولم تعرض بناء على رأي الرقابة، وأوضح بأن السينما السورية التي تنتجها المؤسسة لها خصوصية وذات فكر وتنتمي إلى نوع من السينما التجريبية بالاعتماد على الرمزية وهي مختلفة عن السينما المصرية، ليتوقف عند تجربة السينما السورية بالقطاع الخاص في الماضي والتي كانت جيدة وهادفة وبسيطة مثال فيلم خياط السيدات وغيره.
والحديث عن الانتقالات المشهدية طال أيضاً خط الحرب الإرهابية بمشاهد التهجير وتحرير الجيش العربي السوري المنطقة المحاصرة من قبل داعش، ورأى بعض المشاهدين أن الفيلم لو اكتفى بمجريات أحداث الوردة الشامية كان سلساً أكثر، وبدا مشهد داعش مقحماً بالفيلم؟
فأجاب إسماعيل بأنه أوجد حلاً منطقياً ومرناً ومدروساً في التعديلات التي طلبتها المؤسسة لأنه ليس مع الفنية المباشرة من خلال شخصية محمود الذي على فراش المرض في المرحلة الراهنة ويسترجع الأحداث، ونجح المخرج برمزية المشهد الأخير.
أما فنية الغرافيك فكانت أيضاً موضع تساؤلات الجمهور فأوضح بأنه تمت إضافة مضاعفة للورد وتكلفت المؤسسة كلفة باهظة لإنتاج هذا الفيلم بشكل لائق، أما عن أماكن التصوير فكانت في قرية مشتاية والرخلة وداريا، وكان من الصعوبة التصوير بقرية المرّاح أمنياً بسبب أحداث الحرب.