“اللا جدوى” تهبط بأدرينالين الارتياح للزيادة المرتقبة.. والحل بضبط الأسعار
دمشق – علي بلال قاسم
لطالما شكلت الوعود والآمال بجرعات مستجدة من الزيادات والمنح على الرواتب حالة من الغبطة والارتياح عند نحو 1.5 مليون موظف ومتقاعد، لا يتوانون في كل حين عن مَنّ النفس بخطوة من درجة الإنجاز لتحسين قدراتهم المعيشية، وفي كل مرة تلوح في الأفق تحولات حيوية من هذا القبيل يرتفع منسوب أدرينالين السعادة لدى الشريحة المستفادة ومعها باقي “قطاعات وفئات الشعب” من منطلق أن ما يصيب “ابن الدولة” من خير يلحق الكل من تبعاته، في توافق على نوعية وأهمية هكذا حدث في ضخ الانتعاش في الاقتصاد وتحريك الأسواق وبعث الرجاء في الأوساط المختلفة.
اليوم، ثمة صورة أخرى تختلف جذرياً عما شهده المجتمع العمالي في التجارب السابقة، فعشية الكلام المبني على إعلان الحكومة عن دراسة يجريها الفريق الحكومي لواقع الرواتب والأجور وتحسين الواقع المعيشي، وأنها – أي الدراسة – أصبحت في خواتيمها، يبدو التعاطي الاجتماعي مع الموضوع راكداً وهادئاً، بمشهد لا يوحي أن زيادة قادمة “يا شباب”، والسبب كما يعبر الموظف نفسه هو اليأس من قدرة أي زيادة على رفع الواقع وتحسينه – كما تصر الحكومة – حتى ولو كان من قبيل الـ 100%، وبالتالي هناك قناعة جاهزة بأن الرقم القادم لن يشبع غول السوق وشراهته لابتلاع أي زيادة سلفاً، فكيف الحال لما سيحصل من تحليق في الأسعار بعد دقيقة من ولادة القرار المأمول.
في هذا المضمار، يتوافق المواطن العادي – الذي ألف وخبر الواقع – والمختص والخبير الاقتصادي، على توصيف وتحليل وتوقع لا يقبل الشك بأن مجريات الأمور لا تعطي مجالاً للسرور والحبور سابقاً ولا لاحقاً، رغم أن الزيادة هي مطلب عام وضرورة مستحقة قبل أن تكون تحت أي اعتبار آخر، والمجتمع نفسه من اتقن فن تحويل وتحوير المطلب بشكله الفج إلى بث يتشارك فيه الجميع وعبر كل المنابر ووسائل ومنصات التواصل وجلسات الحديث في قالب أكثر ذكاء في الفكر الجمعي المحلي يتمثل بسلاح الشائعات التي يتبارى فيه الكل على تقدير وتوقع الأرقام والنسب، حيث يسجل للسوريين “ماركة حضارية” يحصلون بها على ما يستحقون.
في حقيقة الظروف القاسية التي يعيش يومياتها المواطن لا نأتي بجديد إذا قلنا أن الراتب، ومهما كانت الزيادة، سيبقى ضعيفاً هشاً. وهنا يرى الدكتور أيمن غدير – وهو الخريج الشاب – أن حالة “عدم الجدوى” المهيمنة ليست غريبة في ظل المعاناة الكبيرة، وهنا السر في العزوف النفسي عن السعادة والابتهاج اللذين يترافقان عادة مع بشرى تحسين الراتب – كما نعرف – في ظروف أخرى أكثر استقراراً على الصعيد الاقتصادي بالحالة الطبيعية، وليس في توقيت حالك كالذي نحن فيه من حرب معيشية تضرب أطنابها بمواطن وموظف لا يقوى على شراء احتياجاته الأساسية من غذاء وكساء ودواء.
يرى سامر، الموظف العتيق، أن راتبه الذي لا يتجاوز الـ 130 ألف ليرة بعد 25 سنة خدمة لن ينفع معه الكلام عن زيادة 100% حتى ولو أصبح 300 ألف ليرة، ماذا تفعل؟ سأل مضيفاً: وما قيمتها في السوق الاستهلاكي اليومي وليس في البعد الذي يتجاوز أولوية الأكل والشرب، وبالتالي فالحديث عن “عيدية” ما قبل الأضحى أو بعده قد يحرك ملامح الوجه بابتسامة منقوصة، ولكن يبقى حالة الوجوم والقلق قائمة، عكس ما تعود عليه في الماضي، وعليه فالعلة ليست بالزيادة المطلوبة ولكن في مفاعيلها وجدواها على الأرض.
بالعموم، الحل بضبط سعر الصرف والأسعار، لتصبح الزيادة حقيقية، لاسيما أنه خلال 10 سنوات ارتفعت أسعار السلع والصرف – والكلام لخبراء – بنحو 90 ضعفاً، أما الرواتب لم تزدد سوى 10 أضعاف، ما يعني أنه لابد من تحسين الوضع المعيشي وزيادة دخل المواطن من خلال تحريك الرواتب والأجور من جهة وتثبيت الأسعار ومراقبتها من جهة أخرى، وهنا ثمة رجاء بمراقبة ومتابعة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بكل مؤسساتها للأسواق ولو تطلب الأمر فرض قوة وسلطة تدخل “القضاء العسكري” في قضايا السوق والتجارة لحماية الزيادة من خطر المتاجرين والمتحكمين بقدرات الشراء الهزيلة والعاجزة.