تحقيقاتصحيفة البعث

تخوّف من أن يأخذ الذكاء الاصطناعي دور الأستاذ الجامعي.. هل جامعاتنا جاهزة لمواكبة هذه التقنية؟

الحديث عن الذكاء الاصطناعي وتأثيراته المحتملة على حياتنا فتح الباب على كلّ الاحتمالات، وتجلّى ذلك بالخوف الشديد من القادم المجهول، حيث يخشى العالم من خروج هذه التقانة التي وصفها البعض “بالوحش” عن السيطرة بسبب منافستها للذكاء البشري إلى حدّ بعيد، وفي مجال التعليم يتوقع الخبراء أن الذكاء الصناعي سيغيّر كثيراً في مهنة التدريس، وسيضع الجامعات أمام تحديات كبيرة!، فماذا عن تأثيره في مجال التعليم الجامعي؟، وما هي الإيجابيات والسلبيات، وهل مؤسّساتنا التعليمية قادرة على مواكبة هذه التقنية الخطيرة التي ستفرض علينا شئنا أم أبينا؟.

تقليل التكاليف

عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية بجامعة دمشق الدكتور سامر المصطفى لا يرى مبرراً لكلّ هذا الخوف من الذكاء الاصطناعي، وبرأيه أن فوائده كثيرة جداً فيما يخصّ التعليم لو استطعنا التعامل معها، فهو يساعد على تحسين الإنتاجية وتقليل التكاليف وتحسين جودة الخدمات التعليمية وزيادة الكفاءة في أداء المهام المتعلقة بالعملية التعليمية، كما يمكن أن يساهم في توسيع قاعدة البيانات للطلاب والموفدين والمدرّسين والعاملين في المنظومة التعليمية وتقليل الأخطاء الإدارية والتعامل مع تحليلات البيانات والأنظمة الاحترافية والتحكم في الإنفاق العام على الخدمات التعليمية، وتحسين خدمات الطلاب والمدرّسين وزيادة رضاهم والارتقاء بمستوى الشفافية وتحقيق أهداف المنظومة التعليمية ويزيد من فاعلية العمل لديها يمكن أن يحسن من عملية إدارة المنظومة التعليمية إذا استخدم بشفافية ودقة عالية. عدا عن مساهمته في الكشف عن الأعطال والمشكلات في الشبكات الذكية وتصليحها مبكراً قبل أن تؤثر على جودة الخدمة التعليمية.

ثقافة المنظومة التعليمية

وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه تطبيق الذكاء الاصطناعي في المنظومة التعليمية في جامعاتنا، أشار إلى أنه من المبكر أن نتحدث عن ذلك طالما لا تتوفر في جامعاتنا البنية التحتية اللازمة التي تدعم تطبيق الذكاء الاصطناعي والإدارة الذكية، مثل الشبكات اللاسلكية والأجهزة الذكية والإنترنت السريع، موضحاً أن تكلفة تحويل النظام التقليدي للمنظومة التعليمية لنظام تطبيق الذكاء الاصطناعي باهظة الثمن، إضافة إلى تحدي حفظ البيانات المتعلقة بالطلاب والموفدين والمدرّسين والعاملين بصورة آمنة وخصوصية.

وقال الدكتور مصطفى: نحتاج لتغيير في ثقافة المنظومة التعليمية، حتى يستطيع الموظفون المسؤولون عن تشغيل وإدارة نظام التعليم التعامل بشكل صحيح وآمن في تبني التكنولوجيا الحديثة لتتلاءم مع تطبيق الذكاء الاصطناعي.

الإدارة الذكية

وبيّن عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية أن نجاح تطبيق الذكاء الاصطناعي والاستفادة منه في خدمة التعليم العالي، يحتاج إلى توفير إدارة ذكية تقوم على التخطيط السليم للأنشطة التي تضطلع بها المنظومة التعليمية، وتنظيمها، وإدارتها، والإشراف عليها من خلال استخدام الموارد البشرية والمواد الفنية لتحقيق الوظيفة التي تضطلع بها المنظومة التعليمية بكفاءة وفعالية. وتشتمل هذه الإدارة الذكية على إجراء العمليات الفنية ابتداء من تقديم بيئة آمنة، إلى إدارة ميزانية المنظومة التعليمية.

في طب الأسنان

من وجهة نظر الأستاذ الدكتور عمار محمود مشلح أستاذ طب الفم والأشعة في كلية طب الأسنان بجامعة دمشق، وعضو الجمعية الأمريكية والعالمية لبحوث طب الأسنان أن الذكاء الاصطناعي وتعليم طب الأسنان الرقمي أصبح جزءاً لا يتجزأ من الخطة التدريسية لعدد من الجامعات المتطورة حول العالم، وبالنسبة لكلية طب الأسنان في جامعة دمشق فقد خطت الكلية خطوات رائدة في هذا المجال، وخير شاهد هو افتتاح مخبر طب الأسنان الرقمي وكذلك تدريس مقررات الرقمنة نظرياً وعملياً في الاختصاصات المختلفة بدءاً من التشخيص والأشعة مروراً بالمداواة والتعويضات وجراحة الفكين، وبرأيه يبقى هذا العلم غير متناهٍ وغير محدود والطريق طويلة.

وأوضح الدكتور مشلح أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستكون مفيدة جداً في مجال طب الأسنان سواء الطالب أو الطبيب الممارس، فهو لا يخبر الطبيب بما يجب أن يفعله، بل يقول: مهلاً، هذا ما قد لا تراه، يرجى إلقاء نظرة عليه، والذكاء الاصطناعي غير مُتعب، بل يمكن أن يساعد في إبقائنا على المسار الصحيح ونصبح أفضل فيما نقوم به، فهو لا يوفر البيانات للمساعدة في اتخاذ القرارات السريرية فحسب، بل يعمل أيضاً كأداة قوية لتثقيف المريض، ويعمل على تغيير عملية صنع القرار في طب الأسنان، نظراً لأن الشركات المصنّعة تطبق التعلم الآلي لجعل سير العمل أكثر كفاءة، مع تطور خوارزميات التعلم الآلي بشكل متزايد، فهي ستكون قادرة على دعم تطبيقات أوسع في طب الأسنان، لمساعدة الطلبة في كلياتهم، والأطباء في تشخيصهم للمرضى، مؤكداً أنه في القريب العاجل سيجد الذكاء الاصطناعي طريقه إلى مناهج كليات طب الأسنان وفي تثقيف المرضى.

وبيّن أنه في ربيع عام 2021، أصبحت جامعة نيويورك ثالث كلية طب أسنان في الولايات المتحدة تحصل على نظام آلي لجراحة زراعة الأسنان، حيث تمّ تطوير الجهاز الجراحي بمساعدة الروبوت  Yomi®، وبعد مرور عام، أصبحت جامعة نيويورك أول كلية طب أسنان في الولايات المتحدة تجري جراحة زرع أسنان بقيادة الطلاب باستخدام Yomi من البداية إلى النهاية.

ولفت الدكتور مشلح إلى أن نجاح وفعالية استخدام الذكاء الصناعي في التعليم يعتمد على مدى توافر المعدات الرقمية وتأهيل الموظفين والتقنيين والطلبة وتأمين حماية للبيانات والمعلومات التي يتعامل معها.

محض خيال!

واختصرت الدكتورة نهلة عيسى الأستاذة في كلية الإعلام بجامعة دمشق إجابتها فيما يتعلق بإمكانية الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في جامعاتنا بالقول “ليس لدينا بنية تحتية لمثل هذه التقانات في الوقت الحالي، والحديث عنها الآن وعن تأثيراتها وتحدياتها محض خيال”.

فريق متخصص

الدكتور خالد عقيل العميد الأسبق لمعهد بحوث الليزر بجامعة دمشق طالب بتشكيل فريق عمل متخصّص لإعداد دليل تربوي تعليمي خاص بتقنية الذكاء الاصطناعي، خاصة وأن التعليم بشقيه التربوي والجامعي من أكثر القطاعات التي ستتأثر فيه والاستفادة منه، وبرأي الدكتور عقيل ليس مقبولاً أن نبقى مستهلكين لمنجزات العلوم والتكنولوجيا الحديثة وعبئاً على الحضارة، بل يجب أن نكون مبادرين مبتكرين ومطورين، ولم يخفِ أن جامعاتنا بحاجة للكثير من الوقت والإمكانات والخبرات، كي تواجه تحديات الذكاء الاصطناعي والاستفادة من إيجابياته في تطوير التعليم، مطالباً بالاهتمام بالكفاءات السورية العاملة بالمعلوماتية وفي التدريس بالمدارس والجامعات وإعدادها وتأهيلها بشكل مستمر، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي مهما كانت تأثيراته كبيرة لكنه سيبقى عاجزاً عن أخذ الدور الكامل للمعلم في المدرسة والأستاذ في الجامعة.

عيوب..!

ومن حيث انتهى الدكتور خالد عقيل، أبدى عدد من أساتذة الجامعة تخوفهم من أن الذكاء الاصطناعي سيلغي إلى حدّ كبير التواصل المباشر بين الأستاذ والطالب، وبالتالي سيغيب الشعور الجمعي والتفاعل الصفي الذي هو جزء من بناء شخصية الطالب، فيما رأى آخرون أنه لا داعي للقلق لأن الذكاء الاصطناعي سيكون مفيداً للأستاذ، حيث سيوفر عليه الكثير من الوقت والمجهود، وهذا ما سيجعله يفكر في تطوير مهاراته وصقل خبراته، وقد يساعد الذكاء الاصطناعي المعلم في المدرسة والأستاذ في الجامعة على قياس مقدرة طلابه عبر اتباع تطبيقات معيّنة تكون أكثر دقة من المتبع حالياً.

بالمختصر، ندرك أنه لا يمكن الحديث بشكل واضح عن مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على المنظومة التعليمية في جامعاتنا ومدارسنا، ونعلم مدى ضعف الإمكانات، لكن المنطق يقول ألا نقف مكتوفي الأيدي كالمتفرجين وكأن الأمر لا يعنينا، بل على المعنيين في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وإدارات جامعاتنا الحكومية والخاصة أن تُعدّ الجامعات العدة لمواكبة هذا الجديد القادم واستثماره في تحسين جودة التعليم ومخرجاته على المدى القريب والبعيد!.

غسان فطوم