دراساتصحيفة البعث

ماكرون يريد دعوته لحضور قمة البريكس!

عناية ناصر 

وفقاً لتقارير وسائل الإعلام الفرنسية، طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا دعوته لحضور قمة “البريكس” المقرّر عقدها في آب القادم، لكن لم يتمّ حتى الآن تأكيد هذا الخبر من قبل قصر الإليزيه، كما قال المتحدث باسم رئيس جنوب إفريقيا أنه ليس على علم بطلب ماكرون.

طلبت موسكو من باريس تقديم تفسير حول الهدف من وراء مثل هذا الطلب، متسائلةً هل القصد من وراء ذلك إقامة نوع من الاتصال، والتواصل مرة أخرى لإظهار نشاط باريس، أم أنه نوع من المواربة وإخفاء النوايا الحقيقية؟. على الرغم من أن هذا الخبر قد حظي باهتمام، لكن هناك مواقف متباينة بين الأطراف المختلفة، حيث علقت وسائل إعلام فرنسية على ذلك بالقول: “هذا جنون بعض الشيء وأمر غير مسبوق”، لكن على أي حال، وبالنظر إلى المشهد الدولي الحالي، فهذه الفكرة تعتبر بالفعل جريئة ومبتكرة.

وكردّ فعل أولي، اعتبر كثير من المراقبين والمحلّلين هذه الفكرة جريئة، أو حتى “مجنونة”، لأن استكشاف سبب هذا الأمر يتطلّب الخوض في مستوى أعمق، إذ إنه يشير إلى أن الناس قد اتخذوا دون أي وعي أو إدراك الانقسام بين الشمال والجنوب، والانقسام بين الشرق والغرب كحالة طبيعية لدرجة أنه حتى مجرد التفكير الذي قد يكسر هذه المعايير والأنماط العقلية يبدو مذهلاً تماماً.

لكن من ناحية أخرى، تبدو هذه الفكرة معقولة، وذلك لأن فرنسا أدركت التغييرات التاريخية التي تحدث على المشهد العالمي. كما أن ماكرون نفسه أدلى بتصريحات مفاجئة في مناسبات متعدّدة، وهذه العوامل تجعل الأمر يبدو وكأنه لن يكون غريباً إذا حضر ماكرون قمة “البريكس”.

إن جميع اقتصادات الدول الأعضاء في البريكس هي اقتصادات ناشئة تمثل مصالح الدول النامية في المجتمع الدولي. وكدولة متقدمة هل يمكن لفرنسا حضور قمة “البريكس”، وما هو نوع التفاعل الذي يمكن أن يحدث إذا شاركت فرنسا؟ بغضّ النظر عن العوامل المحدّدة والمعقدة الأخرى، في سياق الانقسام المتزايد بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، واشتداد المواجهات بين المعسكرات، هناك حاجة ما لتجاوز الحواجز الأيديولوجية والجيوسياسية، والتحرّر من القيود العقلية والمفاهيمية، وهذا يمكن أن يؤدي إلى آثار إيجابية غير متوقعة.

شدّد ماكرون على أن أوروبا يجب أن تسعى إلى “الاستقلال الاستراتيجي”، وهي تتمتع بتقليد الدبلوماسية المستقلة، إذ تحاول فرنسا العمل كجسر بين المعسكرات المختلفة في العالم المنقسم  من أجل إبراز مكانتها الدولية وتحقيق إنجازات تاريخية. ومن الواضح أن ماكرون لديه مثل هذه الطموحات، ويحاول من خلال المشاركة في قمة “البريكس” إثبات حسن نوايا فرنسا.

يجب أن تدرك فرنسا مدى عمق الخلاف بين الدول الغربية وغير الغربية، ومدى ضعف الثقة المتبادلة، خاصةً وأن اندلاع الصراع الروسي الأوكراني، ومحاولة الاحتواء الشامل، وقمع الصين من قبل الولايات المتحدة قد أدى إلى زيادة الضغط بشكل متزايد لإجبار الدول على الانحياز إلى جانب على حساب الجانب الآخر.

من الصعوبة بمكان بالنسبة لفرنسا أن تحرز تقدماً في الاستقلال الاستراتيجي الحقيقي والدبلوماسية المستقلة، وفي هذا السياق حثّ ماكرون أوروبا بعد زيارته للصين في شهر نيسان الماضي، على تطوير المزيد من الحكم الذاتي الاستراتيجي، مما تسبّب في جدل شبيه بتسونامي في أوروبا والولايات المتحدة، حيث أدت بضع كلمات إلى مثل هذا الموقف، ومن المتوقع أن تكون المقاومة كبيرة جداً إذا تمّ اتخاذ إجراءات. وعليه من المحتم أن يساور الناس شكوك حول مدى قدرة فرنسا على التصرف وفقاً لإرادتها، أو ما إذا كان لا يزال يتعيّن عليها الامتثال لآراء واشنطن القوية، وبناءً على ذلك تحتاج دول “البريكس” إلى النظر بتمعن وبتفكير كبير حول طلب ماكرون.

هناك شيء واحد مؤكد، وهو، لقد أظهر هذا الأمر التأثير الهائل لآلية تعاون البريكس، إذ تلتزم “بريكس+” بمبدأ التعددية، التي تجذب العشرات من الاقتصادات الناشئة، والدول النامية للمشاركة في عملية التعاون، والتي تتزامن مع التعددية الجديدة التي تدعمها فرنسا وأوروبا. هل يمكن أن تنفتح “بريكس+” على الدول المتقدمة مثل فرنسا بسبب نفوذها الهائل في الدول النامية؟. هذا سؤال مثير للاهتمام، وقد تفكر فيه منظمة “بريكس” بجدية في ضوء هذا الخبر. ومع ذلك، يجب أن يكون ذلك عملياً، وليس شكلياً، وألا يدع السعي وراء هذا الشكل يؤثر على التعاون العملي لآلية “بريكس” نفسها.

إن آلية “البريكس” تختلف عن دائرة صغيرة مثل مجموعة السبع، فهي موجودة كمنصة ناشئة للحوكمة العالمية، وهي تلتزم بالانفتاح والشمولية والتعاون والنتائج المربحة للجانبين، وتشكل شراكة إنمائية عالمية موحدة ومتساوية ومتوازنة وشاملة. وطالما أنها تأتي مع المساواة وحسن النيّة، وترغب بصدق في تعزيز التعاون والتنمية، ترحب دول “البريكس” بمزيد من الدول للمشاركة في التعاون الإنمائي العالمي، بما في ذلك فرنسا وغيرها من الدول.