تجمهر الأهالي أمام مراكز الامتحان أصبح عرفاً
طرطوس – محمد محمود
أجواء من التوتر وحبس الأنفاس يعيشها أهالي طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية في محافظة طرطوس على أبواب المراكز الامتحانية في كلّ موعد امتحاني لأبنائهم، لتصبح حالة التجمهر أمام تلك المراكز حالة مألوفة وعرفاً متفقاً من قبل معظم أهالي طلاب الشهادات – ولكلّ منهم وجهة نظره الخاصة – في محافظة تشهد خصوصية تعليمية كمحافظة طرطوس.
على سبيل المثال لم يكن “أبو حيدرة” معتز مهتماً ببداية الأمر بمرافقة ابنه للمركز الذي يتقدم فيه لامتحان شهادة التعليم الأساسي، لكن حالة التوتر والقلق التي تعيشها الأسرة منذ اقتراب موعد الامتحانات دفعت الأب للعمل بكل طاقته لتقديم الدعم النفسي والمعنوي لابنه البكر حيدرة، ومرافقته مع والدته بشكل مستمر إلى المركز ليكسر ما استطاع رهبة الامتحان لولده، ويسانده معنوياً في تجاوز تلك المرحلة، وإن كان الأمر على حساب وقته وعمله، مع تعليمات مستمرة حول الامتحان وكيفية التعامل معه من وجهة نظر الأب قراءة أسئلة الامتحان أكثر من مرة، التأني ثم التأني في الإجابة، عدم الخروج حتى نهاية الوقت المحدّد، الاسترخاء والتعامل مع الامتحان بأريحية ودون خوف.
ومن أمام مركز رجب صالح تابعت “البعث” مع مجموعة من الأهالي المتجمهرين أمام المركز في يوم امتحاني، حيث أكدت إحدى الأمهات المتواجدات أنه من الضروري مشاركة الأهل لأولادهم هذه اللحظات ليشعروا بالطمأنينة والدعم النفسي، مضيفة أن الخوف من الامتحانات كان سابقاً ينعكس على الطلاب، أما اليوم فبات يؤرّق الأهل أيضاً، فالمنهاج صعب وكثيف، والأعباء المادية كبيرة جداً على الأهالي في ظل الدروس الخاصة والمعاهد التي باتت حالة مكملة للعملية التعليمية وخاصة في محافظة طرطوس.
أما أبو ينال فقد أشار إلى أن متابعة الأهالي يجب أن تكون مستمرة لأبنائهم ولا تقتصر على فترة الامتحانات ووجودهم أمام المراكز، فاليوم أصبح الطلاب أمام تجاذبات كثيرة تبعدهم عن العلم والتعلم في ظل ظرف اقتصادي صعب جداً، وعزوف شريحة كبيرة عن التعليم، وتسلل وسائل التواصل الاجتماعي إلى كل تفاصيل حياتنا وغير ذلك من المعطيات التي تجعلنا أكثر خوفاً على أبنائنا وأكثر رغبة بمتابعتهم، حسب رأي أبو ينال.
كان ملفتاً الطريقة التي ينتظر بها بعض الأهالي أولادهم، فهناك بعض الأهالي ممن يبدو الخوف والتوتر على ملامحهم فيكون السكوت أو الدعاء علامة مميزة لسلوكهم للحظة التي يخرج أولادهم فيها من الامتحان في حين ينشغل بعض الأهالي بالحديث مع بعضهم حول الامتحانات ومجرياتها ونمط الأسئلة والتوقعات للامتحانات القادمة، وقد يبادر بعض الأهالي سريعاً لسؤال أي من الطلاب الخارجين من المركز عن طبيعة الأسئلة ومدى سهولتها وصعوبتها، وماهي الإجابات التي أجابوا بها على الأسئلة الواردة في الامتحان.
في المقابل يرى بعض الأهالي أن هناك بعض المبالغة في إظهار التعاطف الشديد مع الأبناء ومرافقتهم للامتحانات، ومن وجهة نظرهم أن هذا الأمر يفقدهم الثقة بأنفسهم ويجعلهم أقل مسؤولية، وهو الرأي الذي ذكرته أم رضوان حيث تتابع ابنها المتقدم للشهادة الثانوية من المنزل وتدعو له بالنجاح والتوفيق لحين عودته ليطمئنها على سير امتحانه.
ويؤكد اختصاصي علم النفس وتربية الطفل الدكتور مهند إبراهيم أن مرافقة الأهل لأبنائهم للمراكز الامتحانية عادة أصبحت اليوم منتشرة ومألوفة بين الأهالي، وهي تعكس بالدرجة الأولى خوف وقلق الأهالي على مستقبل أبنائهم في ظل ظروف اجتماعية غير مسبوقة، مضيفاً أن الظاهرة سلاح ذو حدين، فبقدر ما تقدم الدعم النفسي للطالب وتشعره بإحاطة والديه له، لكنها قد تكون مدعاة للضيق والتوتر من الطالب، لشعوره بتقييد الأهل له واستمرار تسلطهم عليه حتى في اللحظات المصيرية، فالطالب بحاجة لجو إيجابي يتحدث فيه مع أصدقائه ربما أو يلهو معهم قبيل الامتحان أو بعده لكسر حواجز الخوف والتوتر، وبوجود الأهل قد لا يكون هذا الأمر ممكناً، ومن ناحية أخرى فوجود الأهالي يهدئ حالة الخوف لديهم إن كان من خشيتهم تأخر أبنائهم من الوصول إلى المراكز الامتحانية، أو أن يحصل لهم مكروه أثناء الامتحانات أو بعدها، لذلك يفضّلون أن يكونوا بالقرب منهم، وهو من ناحية أخرى يشحذ همّة الطالب ويعطيه ويكسر حاجز الخوف لديه بوجود من يدعمه ويقف معه، فالأساس في كلّ ذلك شخصية الطفل وطريقة تربيته.