من “بروكسل” إلى “أستانا”.. و”بريكس”
أحمد حسن
بذريعة عودة سورية إلى ممارسة أنشطتها في الجامعة العربية أجّل الاتحاد الأوروبي الاجتماع الوزاري العربي- الأوروبي، وقبل ذلك بأيام قليلة كان “الاتحاد” ذاته قد عقد مؤتمراً دولياً خاصاً باللاجئين تحت اسم “مؤتمر دعم مستقبل سورية والمنطقة” لكن بعد أن غيّب سورية، البلد المعنيّ الأول، عنه.
وإذا كانت سورية والموقف الأوروبي المتعنّت منها هو الجامع بين الحدثين، لكن اللافت هو موقف “الاتحاد الأوروبي” من قرارات “سيادية” للجامعة العربية، فهذا “الاتحاد” ضرب عرض الحائط بـ “اتحاد” الدول العربية في قرارها الجامع تجاه سورية، وإذا كان هذا التصرّف يفضح مرة جديدة عقلية المستعمر الأوروبي التي لم يستطع كلام جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، عن “احترام القرار السيادي العربي بهذا الشأن”، التقليل من عنجهيتها، إلا أنه أمر لا يمكن فهمه مطلقاً إلا إذا قرأناه في سياق ما قالته وزارة الخارجية والمغتربين السورية من أن التغييب المتعمّد لدمشق عن مؤتمر اللاجئين حصل “كي لا تنكشف حقيقة أهدافه وسياساته المفلسة نتيجة الإجراءات القسرية اللاإنسانية واللاأخلاقية التي يواجهها الشعب السوري”.
والحق أن خطوات الاتحاد الأوروبي التي تبدو منفصلة عن مصالحه الحقيقية، كما عن الواقع المستجد في البيئة السياسية والاستراتيجية الدولية، ومثالها موقفه مما يجري في أوكرانيا، تحكمها حقيقتان جليتان، أولهما خشية “الاتحاد” من تبعات ترسّخ الموقف الجماعي العربي باعتباره يندرج في سياق ازدياد تأثير القوى “الوسطى” في لحظات التحوّل الدولية، وثانيهما، محاولته تأخير لحظة الاعتراف بما ارتكبه، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، بحق سورية وشعبها، سواء في البداية عندما دعم مجاميع الإرهاب العالمية، معنوياً ولوجستياً، أم في النهاية عبر محاولته الاستمرار في المتاجرة باللاجئين وفي فرض العقوبات الجائرة وغير الشرعية وفي رفض تنفيذ قرارات مجلس الأمن التي تطالب بدعم تمويل مشاريع التعافي المبكر، وذلك بهدف استمرار وإطالة معاناة الشعب السوري.
وإذا كان هذا الانفصال الأوروبي عن الواقع ليس جديداً، فقد بدأ في تعاميه بداية عن حقيقة ما يحدث في مرحلة ارتفاع رهانات واشنطن وأتباعها على إركاع واستتباع سورية، إلا أنه يحصل هذه المرة في مرحلة انحسار للمشروع الغربي نتيجة “التطورات الإيجابية التي حققتها سورية طوال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، بسبب صمودها وتضحيات شعبها وجيشها”.
لذلك تحديداً، لا يبدو أن سورية ستتوقف كثيراً عند موقف “بروكسل” لأنها تعرف جيداً خلفياته وحدوده، ولذلك أيضاً وبالتوازي مع استمرارها في محاربة الإرهاب تذهب في السياسة بعيداً، وفق ديناميات تحرّكها لغة الحق والمصلحة المشتركة والعقل المنفتح، لاستكشاف آفاق عودة “الوعي” للبعض ومدى التزامهم بتعهّداتهم السابقة عبر مشاركتها في اجتماع “أستانا” القادم متسلّحة بثوابتها الوطنية وحقوقها المشروعة وقراراتها السيادية والواعية التي كانت سبّاقة في طرحها بحثاً عن حدود آمنة لا ملتهبة وعن تشبيك حقيقي بين شعوب المنطقة بما فيه مصلحة الجميع، وذلك تحديداً ما يقف أيضاً خلف سعيها للانضمام إلى مجموعة “بريكس” و”منظمة شنغهاي” ليس بمضمونهما ومدلولاتهما الاقتصادية فقط -على أهمية ذلك البالغة- بل بمدلولاتهما السياسية والإنسانية التحرّرية والواعدة بمستقبل أفضل للبشرية جمعاء.