البعث أونلاينسلايد الجريدةصحيفة البعثكلمة البعثمجلة البعث الأسبوعية

(التقدّم المطلوب) بين الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي!

د. عبد اللطيف عمران   

 

ليس بالضرورة أن تكون الاتحادات الإقليمية والدولية صورة واقعية عن وعي وإرادة ومصالح الشعوب التي تمثّلها، فلطالما كانت هناك تباينات بين الرأي العام وتحالف الأنظمة الرسمية على نحو ما نجد في مؤسستي الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي كل على حِدة، وفيما بينهما أيضاً.
ومن بين الأدلة على ذلك تأجيل الاجتماع العربي الأوروبي غير المأسوف عليه ولا على تأجيله والذي كان مقرراً عقده الأسبوع الماضي. إذ أن موقف الاتحاد الأوروبي المعلن عن سبب التأجيل هو قرار الجامعة بعودة سورية إلى شغل (مقعدها) في الجامعة.
لقد أتى هذا الموقف الأوروبي تالياً وداعماً للنتائج السلبية واللا إنسانية لمؤتمر بروكسل السابع الذي نظّمه الاتحاد الأوروبي في 14-15- الجاري بزعم (دعم مستقبل سورية والمنطقة) واختار منظموه تغييب الدولة السورية عنه كي لا تتكشّف حقيقة أهدافه، وكما رأت الخارجية السورية – حقيقة وواقعاً – أن هؤلاء المنظمين اكتفوا بمشاركة أدواتهم المتحالفة مع داعش والنصرة والتنظيمات الإرهابية الأخرى، إذ لم يسمح المؤتمر بتقديم أيّة مساعدات إنسانية لضحايا الإرهاب والزلزال.
إن موقف النظام الأوروبي ممثلاً بهذا الاتحاد ينبع من تبعية وضيعة وصارخة للسيد الأمريكي ليس بشأن سورية فقط، بل بشأن أوروبا أيضاً، وحديث التبعية هنا ليس بجديد، ولا بحاجة إلى بيان بقدر ما هو بحاجة إلى تنديد وعدم رهان.
فالأوروبيون وغيرهم من شعوب الأرض باتوا على يقين أن سورية شعباً وجيشاً وقيادة، أرضاً وسيادة ومبادىء وقعت ضحية تاريخية لجناية الآخرين، ضحية (مؤامرة) لم يعد بعد ممكناً نكرانها بعد أن اعترف صراحة وعلناً غير قليل من مرتكبيها بجرائمهم فيها وبفشل رهانهم على نتائجها، فلم يكن في سورية حرب داخلية ولا أهلية ولا طائفية ولا مطلبية قبل 2011 ولا بعدها، بل كانت تفخر وتزخر بوحدة وطنية، وبهوية حضارية وطنية عروبيّة، وبمقومات التنمية المتنوّعة، وبالأمن والأمان والاستقرار… وبكثير من هذا القبيل ولهذا قصدها العدد الكبير من الأشقاء المأزومين فاحتضنتهم بالحب والوفاء والكرم الذي لا ينكرونه…. وصمدت وتعالت وتسامت رغم الجراح التي يعرفها الأوروبي وسيده الأمريكي، ولا يتغافل عنها بل يتعامى ويتحامق.
في الأجواء المحيطة بالمؤتمَرين: المنعقد، والمؤجّل سمعنا بعضاً من التصريحات لبيدرسون ولبوريل بشأن سورية تجاه: ثبات الموقف الأوروبي والأمريكي من سورية ما لم يتم التقدّم (المطلوب) لتنفيذ القرار 2254، وهذا (المطلوب) من البديهي لن يكون في صالح سورية، ولا العرب، ولا الاستقرار الإقليمي والدولي، والأمر نفسه بشأن فهمهم لسياسة خطوة مقابل خطوة، وهذا واضح من اعتراضهم الصفيق على قرار الجامعة العربية، ومن سبب تأجيلهم للاجتماع العربي الأوروبي.
هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن على الجامعة العربية، وقد عادت هي وسورية كل منهما إلى الآخر، وبعد (إعلان جدة) الواعد في القمة العربية الـ 32، تنفيذ بنود هذا الإعلان قبل التوجّه إلى الاتحاد الأوروبي، ولا سيما ما جاء فيه بالحرف: (التأكيد على تعزيز العمل العربي المشترك المبني على الأسس والقيم والمصالح المشتركة والمصير الواحد… والتأكيد على ترسيخ تضامننا وتعزيز ترابطنا ووحدتنا، وكذلك تعزيز المحافظة على ثقافتنا وهويتنا العربية الأصيلة)… فمتى لم يكن الأوروبيون على خصام وخوف وعدوان مع كل قيمة ومصلحة من هذه القيم والمصالح!؟، إذ لكل قطر في هذا الوطن معهم قصة كفاح ونضال وشهادة، إنها سرديّة حركة التحرّر والاستقلال الوطني العربية، والعالمية أيضاً التي ناضلت ضد أشباه هذا (التقدّم المطلوب) الذي يحلم الأوروبيون وغيرهم من خصوم الوطنية والعروبية أن تنفذه سورية، ولا يمكن أن تنفذه فـ (لن نسمح للأعداء وللخصوم وللإرهابيين أن يحققوا بالسياسة ما عجزوا عن تحقيقه بالميدان، والحرب لن تغيّر شيئاً من مبادئنا…) كما أوضح بالتفصيل السيد الرئيس بشار الأسد، لما في قول سيادته من ضمان للاستقرار وللأمن الوطني والقومي والاقليمي.
نعم أتى بوريل إلى القاهرة وواجهه بحق وقوة وانتقاد وزير خارجيتها السيد سامح شكري: (موقفكم يعتبر تطوّراً مؤسفاً للغاية، وقرار عودة سورية يجب أن يكون محل تقدير من الاتحاد الأوروبي لأنه قرار جماعي عربي)، وكان موقف أمين عام الجامعة العربية قريباً إلى حد ما من موقف الوزير شكري إذ شرح لبوريل خلفية القرار السيادي لمجلس الجامعة،… لكن! بعد أن أكد له الحرص المشترك على تطوير أواصر الصداقة التاريخية بين الدول الأعضاء في الجامعة والاتحاد الأوروبي.
لعمري، أية صداقة تاريخية تلك؟!، إذ لا يمكن شطب سايكس بيكو، ولا بلفور، ولا الاستعمار والاحتلال والاستيطان… ولا الإرهاب والحصار من الذاكرة والواقع.. فلا يجوز للأحرار تنفيذ المطلوب من الأعداء التاريخيين. والمطلوب من الجامعة تنفيذ (إعلان جدة) نصاً وروحاً، إذ أن (التقدم المطلوب) من الجامعة العربية هو مواجهة (التقدم المطلوب) من الاتحاد الأوروبي.