العقوبات الأمريكية.. تغرق السوريين براً وبحراً
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
استيقظ السوريون قبل أيام على خبر غرق قارب مصري كان يقل المئات من الرجال والنساء والأطفال السوريين المتجهين إلى إيطاليا. كان حلمهم الوصول إلى إيطاليا، لكن هذا الحلم تبخر حين غرق القارب في البحر الأبيض المتوسط قبالة سواحل اليونان، حيث صُنف الحادث على أنه واحد من أخطر كوارث سفن المهاجرين، وواحد من أسوأ المآسي التي تم تسجيلها في وسط البحر الأبيض المتوسط على الإطلاق.
كان القارب مكتظاً بالمهاجرين الذين يسعون للوصول من ليبيا إلى إيطاليا، فقد تم تكديس 750 شخصاً في القارب، ووضعت النساء والأطفال تحت سطح السفينة، وهو السبب في أن جميع الناجين البالغ عددهم 104 كانوا شباباً، بيمنا تم انتشال 78 جثة على بعد 75 كيلومتراً قبالة ساحل كالاماتا باليونان.
تم القبض على تسعة مهربين في اليونان وجهت إليهم أصابع الاتهام بوصفهم جزء من شبكة تهريب تم الإعلان عنها والترويج لها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، حيث تعهدت الإعلانات بحياة أفضل في أوروبا مقابل مبلغ يتراوح بين 5000 إلى 6000 دولار للفرد الواحد.
كما تم إلقاء اللوم على اليونان أيضاً، حيث كانوا يراقبون السفينة لكنهم لم يتخذوا أي خطوات لإيقافها وإنقاذ الركاب، لكن اليونانيين قالوا إنهم كانوا يتواصلون مع السفينة، حيث طلبت السفينة السماح لها بمواصلة الإبحار نحو إيطاليا، لكن الركاب بعد توقف المحرك أصيبوا بالذعر، وتسببت تحركاتهم المفاجئة في انقلاب السفينة وغرقها.
في الحقيقة، يغض العالم الطرف عن العقوبات الجائرة التي فرضتها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي على سورية، فقد انتهت المعارك الكبرى في سورية، وأصبحت ساحات القتال صامتة منذ فترة طويلة في جميع أنحاء سورية، لكن عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تحول دون إعادة البناء، وتمنع الاستثمارات الأجنبية في إعادة بناء المشاريع، ما يجعل أي انتعاش أو إعادة بناء في سورية أمر غاية في الصعوبة.
من المؤسف أن البنية التحتية، والمستشفيات، والمنازل، والمدارس، والمصانع والشركات تنتظر جميعها رفع العقوبات لطلب قطع الغيار، والإمدادات من الخارج لبدء العملية الطويلة للتعافي من هجوم الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي على سورية الذي انتهى بالفشل.
ومع ذلك، تواصل وسائل الإعلام الغربية حملاتها المضللة والكاذبة، وتصوير ما يحدث في سورية أمام جمهورها الغربي على أنه حرب أهلية عنيفة تدور رحاها في سورية، حيث يغادر السوريون خوفاً على حياتهم، وأن هذا هو سبب أزمة المهاجرين. بطبيعة الحال، يستطيع كل من يراقب الأحداث عن كثب، ويبحث عن الحقيقة أن يعرف أن الطرقات في حلب ودمشق وحمص واللاذقية أمنة ومفتوحة، بل وهناك سياح يصلون لزيارة المواقع الدينية والتاريخية.
لذا، سعى الإعلام الغربي لإقناع جمهوره بأن السياسات الخارجية الغربية الرامية لإحداث اليأس في سورية لم تكن المسؤولة. لكن واقع الحال، يُظهر أن العقوبات الغربية التي فرضتها “ديمقراطياتهم” المزعومة هي السبب في بقاء السوريين عاطلين عن العمل، وبدون أي شبكة أمان للرعاية الاجتماعية، حيث يضطر الناس إلى المخاطرة بحياتهم لإطعام عائلاتهم.
من الجدير بالذكر، تقوم الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومجموعات المساعدات الإنسانية الغربية بتقديم الدعم لمحافظة إدلب التي تسيطر عليها ما يسمى “هيئة تحرير الشام” المجموعة الإرهابية التابعة “للقاعدة”. ومع ذلك، استضاف الاتحاد الأوروبي قبل أيام مؤتمراً للمانحين لتلبية احتياجات اللاجئيين السوريين في تركيا ولبنان والأردن، حيث تم التعهد بتقديم 2.1 مليار دولار، لكن المستفيدين سيكونون فقط من السوريين الذين يعيشون في جيب إدلب الإرهابي، أو أولئك الذين يعيشون في مخيمات في الدول المجاورة، في المقابل لن يرسل الاتحاد الأوروبي 1 يورو إلى دمشق التي يقطنها 15 مليون سوري يعانون من العقوبات الأمريكية الجائرة، ويفكرون كل يوم في رحلة قد تنتهي بالغرق.
أصبح واضحاً أن السوريين الذين يغادرون في رحلات بحرية يائسة وخطيرة نحو أوروبا هم مهاجرون لأسباب اقتصادية، حيث يفرون من الفقر الذي فرضته عليهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويسعون للحصول على دخل لأنهم فقدوا وظائفهم السابقة، بعد أن دخل إرهابيون من تركيا، وفككوا آلات المصانع، وأخذوها إلى تركيا، حيث أعيد بناء المصانع هناك التي يعمل فيها اللاجئين السوريين بأبخس الأجور.
لم يسلم الاقتصاد السوري من تداعيات العقوبات الأمريكية الجائرة، حيث انخفضت قيمة العملة، كما مُنع التجار السوريون من طلب حتى الأصناف الأساسية مثل المواد الخام للمصانع، ومنتجات البناء بسبب العقوبات. حتى أنه في مرحلة ما، كان من المستحيل طلب أدوية العلاج الكيميائي، بسبب أن الشركات المصنعة الأجنبية تخشى العقوبات الأمريكية. كما أنه يُحظر على التجار، بسبب العقوبات المصرفية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على سورية، إرسال مدفوعات من سورية إلى شركات في الخارج.
ورغم ذلك ستنعقد محادثات أستانا في كازاخستان يومي 20 و 21 حزيران، حيث سيناقش نواب وزراء الخارجية من سورية وإيران وروسيا وتركيا عودة العلاقات بين تركيا وسورية، كما سيضعون خريطة طريق لحل سياسي للأزمة السورية، حيث تؤكد دمشق على أن هذا الحل غير ممكن بينما تحتل تركيا عسكرياً منطقة على طول الحدود الشمالية.
يذكر أن ما يسمى “مجموعة العمل من أجل سورية” اجتمعت في جنيف مرات عديدة، لكنها لم تنجح أبداً، حيث يشير الخبراء إلى أن اجتماعات جنيف تمليها مطالب واشنطن التي تحرص على إبقاء سورية مدمرة، وغير قابلة للتعافي من العقوبات الأمريكية. ومع ذلك، أعرب المبعوث الأممي الخاص لسورية غير بيدرسن عن تفاؤله في اجتماع أستانا، لكن الولايات المتحدة قد تمنعه من تنفيذ أي تقدم يأتي منها.
وللإشارة، عندما تعرضت سورية وتركيا لزلزال بقوة 7.8 في 6 شباط الماضي، اختارت الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومجموعات “إنسانية” غربية أخرى إرسال مساعدات إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين في إدلب، بينما غضت الطرف عن 15 مليون سوري لم يتلقوا حتى رغيف خبز من الولايات المتحدة.
يرى مراقبون أنه على الرغم من العقوبات الجائرة، والحروب المدمرة التي لا تتوانى الولايات المتحدة في شنها والتحريض عليها، إلا أن أفاقاً جديدة بدأت في الظهور مؤخراً من خلال التقارب والاتفاقات الموقعة بين إيران وروسيا، والعديد من الدول العربية، والتي تهدف إلى العمل من أجل السلام والإزدهار في المنطقة، ويمكن القول الآن أن أيام الإملاءات الغربية على الدول العربية، والحروب التي دبرتها الولايات المتحدة لتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط قد ولت، ولا بد للأيام القادمة أن تكشف لنا عن المزيد من الإنفراجات.