سورية والسعودية : نحو شرقنا الأوسط الجديد !..

 د. مهدي دخل الله

لعل واحداً من المؤشرات الدالة على التحول الإيجابي في سياسة السعودية هو عدم مشاركة ممثلها في الاجتماع الأخير لما يسمى ” هيئة التفاوض ” . وهذا المؤشر يضاف إلى مؤشرات أخرى مهمة كالخطوات الواسعة والسريعة في تنمية العلاقات مع طهران بغية تخفيف حدّة التوتر في المنطقة ، وكالتوجه الواضح نحو إيجاد حل سلمي في اليمن إضافة إلى سياسات أوبك بلاس ..

لم يكن الغياب السعودي عن ” هيئة التفاوض ” مفاجئاً لأي مراقب للتحولات في السعودية داخلياً وخارجياً . ويبدو أن السعودية لاحظت أن الاجتماع الأخير للهيئة في جنيف كان محاولة لإثبات وجود كاد أن ينتهي ، وللحاق بالتحولات الإيجابية للحضور السوري في دائرة العلاقات العربية .

حاول غير بيدرسون – المفوض الأممي – إعادة إحياء جسد أكلت عليه التحولات وشربت ، حيث جمع عشرات الأشخاص في جنيف لعله يعيد نبض ” المسار الأممي ” للحل في سورية . ودائماً يعودون إلى القرار الأممي 2254 علماً أن أساس هذا القرار – بغض النظر عن تفاصيله – هو أن يكون من يفاوض ممثلاً فعلياً للشعب السوري وأن يختاره السوريون ( حول القرار سيكون حديثي الأسبوع القادم ) .

وهناك أمر آخر وهو أن القرار تم اتخاذه عام 2015 في أوضاع ميدانية وسياسية كانت قائمة آنذاك . اليوم تغيرت المعطيات تغيراً نوعياً . بالنسبة للأوضاع الميدانية ، أضحت المشكلة الأساسية ليست مشكلة مسلحين وإرهابيين ، وإنما مشكلة وجود أمريكي وتركي على الأراضي السورية ، وإن انتهاء هذا الوجود ينهي فوراً وجود المسلحين . أما على الصعيد السياسي ، فقد استعادت الدولة السورية حضورها نوعياً على المستوى العربي ، وهي تتقدم خطوات مهمة على المستويين الإقليمي والدولي …

ويبدو أن حركة محمد بن سلمان التصحيحية في السعودية تحاول بناء سياساتها داخلياً وخارجياً على أساس نهج ” الواقعية الجديدة ” التي تعترف بالتحولات الكبرى في سورية على جميع المستويات ..

ولعلنا قطعنا جميعاً خطوة واسعة توجهاً نحو ” التكامل على أساس الاختلاف ” ، وهو التكامل الأكثر فائدة ، لأن مصطلح التكامل في حد ذاته يتضمن الاختلاف ، وإلا لما كان تكاملاً ولأضحى دمجاً أحادياً . ومن الواضح أن التكامل الهارموني هو الذي يعطي نتائج دافعة إلى الأمام للجميع ، وخير مثالٍ له الهارموني الموسيقية التي تعطي ناتجاً ممتازاً على الرغم من الاختلاف التكاملي بين أصوات الأدوات الموسيقية المختلفة .

هذا التكامل القائم على هارموني الاختلاف هو توجه حقيقي نحو ” الشرق الأوسط الجديد ” الذي تريده شعوب المنطقة ، وفي مقدمها العرب ، قائماً على استقلال القرار ومخالفاً لشرق أوسط جديد وفق الصيغة الأمريكية . ويبدو أن التوجه نحو ” شرقنا الأوسط الجديد ” قد قطع شوطاً مهماً على مستوى الخليج العربي بضفتيه وفي الشام آخذين كذلك بعين الاعتبار التطور النوعي في انتفاضة الشعب العربي الفلسطيني . وهذا الحراك كله يعطي أملاً .. طال انتظاره .

mahdidakhlala@gmail.com