أخبارصحيفة البعث

“الاقتصاد السوري بين الواقع والآفاق” في ملتقى البعث للحوار بحماة

حماة – حسان المحمد   

عقد فرع حماة لحزب البعث العربي الاشتراكي ملتقى البعث للحوار الفكري الثالث لهذا العام بعنوان “الاقتصاد السوري بين الواقع والآفاق”.

واستعرض الرفيق الدكتور محمود زنبوعة، محافظ حماة، مراحل التطوّر الاقتصادي في سورية بدءاً من المرحلة الأولى من عام 1946 حتى عام 1958، إذ انطلق الاقتصاد في تلك المرحلة من مستوى متدنٍّ جداً ليحقق معدلات نمو مرتفعة وصلت في عام 1958 لنحو 5% بسبب نشاط القطاع الخاص في تلك المرحلة، حيث تم احتساب الناتج الإجمالي حينها لأول مرة وبلغ نحو مليار و250 مليون ليرة، وتميّزت تلك المرحلة بتحقيق تطوّر ملحوظ وزيادة المساحات الزراعية وخاصة القطن ونشاط تجار المنطقة الوسطى الذين استطاعوا استثمار الأراضي غير المستثمرة وخاصةً في مناطق البادية والشمال الشرقي ما أدّى إلى استقرار البدو الرُحّل، وهجرة كبيرة من الداخل السوري لشمال شرق سورية بسبب توفر فرص العمل، لتأتي بعدها المرحلة الثانية وهي مرحلة الوحدة مع مصر حيث تركت بصماتٍ وأثراً كبيراً على الاقتصاد لم يزل حتى اليوم لجهة سنّ قوانين الإصلاح الزراعي والتأمين والجمعيات التعاونية وذلك على غرار القوانين الموجودة في مصر في ذلك الحين، كما تم وضع خطة خمسية لأول مرة في سورية لتنسجم مع القرارات الجديدة.
وعرض زنبوعة مرحلة التحويل الاشتراكي الممتدة من عام 1963 حتى عام 1970، التي كان لها دور بارز في التحوّل الإقتصادي لسورية، فقد تم خلالها اتخاذ المزيد من الإصلاحات كتأميم البنوك والمشاريع الصناعية الكبرى وبدء التنقيب عن النفط ومدّ خط أنابيب من مناطق إنتاج النفط إلى مرافئ سورية، وتأسيس مجمع الصناعات الكيماوية في حمص، وإنشاء سدّ الفرات لإرواء الأراضي وتوليد الطاقة وبناء مطار دمشق الدولي.

وتابع: “أما مرحلة الحركة التصحيحية فقد اتسمت بالانفتاح الكبير على الصعيدين الداخلي والخارجي، إذ مكّنت علاقات الأخوة والتضامن مع الدول العربية الشقيقة وكذلك الدول الصديقة ومع المعسكر الاشتراكي، كما خلقت حرب تشرين ظروفاً مواتية لتطوير الاقتصاد. فارتفاع أسعار النفط خلال الحرب أدّى إلى زيادة حصيلة الصادرات ومكّنت سورية من إجراء إصلاحات كبيرة والقيام باستثمارات عامة واستثمارات متعلقة بالتعليم والصحة وتحقيق معدلات نمو كبيرة”.

ولفت زنبوعة إلى أنه منذ بداية الثمانينيات تراجعت حصة سورية من المساعدات الإغاثية بسبب تخفيض أسعار النفط تزامناً مع الحصار الاقتصادي الخانق الذي فُرض عليها لموقفها الرافض توقيع أي اتفاقية مهينة على غرار كامب ديفيد ولدعمها للمقاومة في فلسطين وجنوب لبنان، وهذه الأمور مجتمعةً أدّت إلى انخفاض قيمة العملة السورية وعجز في الميزان التجاري، ليبدأ الانفراج الاقتصادي مع بداية التسعينيات، وكان الانفتاح الاقتصادي بين عام 1990 و2010 في أوجه، حيث تم سنّ العديد من التشريعات الخاصة بالمصارف والسماح بتأسيس جامعات خاصة والسماح بفتح حسابات مصرفية بالعملة الأجنبية، كما تم إصلاح النظام الضريبي والسماح باستيراد العديد من السلع التي كانت ممنوعة سابقاً وفي مقدّمتها السيارات التي ارتفعت أعدادها من مليون سيارة عام 2005 إلى مليونين و200 ألف سيارة عام 2010، كما تم تعديل قانون الاستثمار رقم 10 الذي سمح بحرية نقل الأموال وتبسيط إجراءات الاستثمار، فضلاً عن توقيع عدد كبير من الاتفاقيات مع دول العالم وروسيا الاتحادية، فارتفع معدل النمو الاقتصادي ووصل الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 60 مليار دولار، وارتفعت حصة الفرد من الناتج المحلي، ووصلت صادرات سورية إلى 10 مليارات دولار ،كما تم الحفاظ على سعر الصرف بين 45 و50 ليرة سورية للدولار الواحد.

من جهةٍ أخرى، بيّن زنبوعة أن المرحلة القاسية عاشها ويعيشها الجميع خلال فترة الحرب، وكان للتراجع الاقتصادي عدة أسباب، بدايةً توقّف العديد من القطاعات وتراجع إنتاجي النفط والقمح وتحوّلنا من مصدّرين لهاتين المادتين إلى مستوردين لهما، ومنح الأعمال العسكرية الأولوية للدفاع عن سورية وهذا يتطلب إمكانياتٍ مالية كبيرة، إضافةً إلى تراجع إنتاج الغاز تزامناً مع العقوبات الاقتصادية الجائرة، ناهيك عن تداعيات الحرب الأوكرانية والزلزال المدمّر، وهذا ضاعف من انخفاض قيمة الليرة السورية، ما أدّى إلى تدني المستوى المعيشي وضعف القدرة الشرائية وتضخّم كبير ولا سيما مع البدء بإعادة تأهيل البنى التحتية في المناطق المحرّرة من الإرهاب الذي يتطلّب مبالغ مالية ضخمة.

ورغم كل ما لحق بسورية، بيّن زنبوعة أن الحكومة مستمرة بدعم المواطن، مؤكداً ازدياد نسبة الدعم، فقد كان لا يتجاوز 14% قبل سنوات الحرب، بينما يتجاوز اليوم 68% من الناتج المحلي، ورغم تحمّل الحكومة أعباء الدعم الزراعي بسبب المبالغ الهائلة التي تكلّفها، لكنها مستمرة بالدعم مع العمل على وضع ضوابط لمنع الفساد الذي يحصل في توزيع المحروقات والبذار والسماد، كما تعمل الحكومة حالياً على دراسة الوضع الاقتصادي لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين.

وركّزت مداخلات الرفاق الحضور حول العديد من القضايا الاقتصادية، وقضايا رفع الدعم وتداعياته على ذوي الدخل المحدود.

أدار الملتقى الرفيق إسماعيل سيفو رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام الفرعي بحضور الرفيق  المهندس محمد أشرف باشوري أمين الفرع.