الطيران الحربي الإسرائيلي وقف عاجزاً في سماء جنين
تقرير إخباري
بعد عشرين عاماً، لا تزال صور شهداء معارك المقاومة تغطي جدران مخيم جنين.. أضيفت الصورة تلو الأخرى، لكن أبطال معركة 2002 لا يزالون الأكثر حضوراً بين جنبات المخيم.
اندلعت انتفاضة الأقصى في الـ28 من أيلول عام 2000، بعدما اقتحم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه، ومن يومها أطلقت قوات الاحتلال عمليات اجتياح وحشية في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، لتردّ الفصائل الفلسطينية بتصعيد عملياتها الاستشهادية داخل المدن المحتلة.
وصلت العمليات ذروتها في عام 2002، بداية من الاستشهادية وفاء إدريس، ثم دارين أبو عيشة، ثم عملية آيات الأخرس، قبل أن ينفّذ محمد فتحي فرحات عملية عسكرية معقدة لاقتحام مستوطنة عتصمونا في 8 آذار 2002، ليقتل سبعة جنود على الأقل، ويصيب أكثر من 10 آخرين.
لكن 27 آذار 2002 حمل ما وُصف بأنه أكبر عملية استشهادية من نوعها خلال الانتفاضة الثانية، حين هاجم عبد الباسط عودة، 25 عاماً، احتفالاً في فندق بارك بمدينة نتانيا المحتلة، شارك فيه 250 مستوطناً، حيث فجّر عبوة ناسفة كان يحملها، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، بينما تقول تقارير: إن ما يزيد على ثلاثين إسرائيلياً قُتلوا وأصيب 140 آخرون بجروح في العملية.
وبعد عشرين عاماً، يستمرّ العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية، حيث اقتحمت عشرات الآليات العسكرية الإسرائيلية، في وقت متأخر من ليلة الأربعاء 21 حزيران 2023، مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، ترافقها جرافتان وشاحنة كبيرة، وذلك بهدف هدم منزل أسير فلسطيني، بينما توعّدت فصائل فلسطينية إسرائيل بـ”ردٍّ قاسٍ” بعد قصف جوي استهدف مجموعة من المقاومين في مخيم جنين، في خطوة تعدّ أول عملية اغتيال جوي بالضفة منذ 17 عاماً. واندلعت مواجهات مع شبان فلسطينيين لدى محاولتهم التصدّي للاقتحام، وسُمعت أصوات انفجارات.
وعادةً ما يقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي المدن الفلسطينية، وبشكل خاصٍّ مدينتي نابلس وجنين شمال الضفة، لهدم منازل منفّذي العمليات الاستشهادية، أو لاعتقال المقاومين. وحسب مصادر محلية، فإن قوات الاحتلال توجّهت لمنزل الأسير كمال جوري في نابلس، وأخلته من سكانه تمهيداً لهدمه.
في السياق، توعّدت فصائل فلسطينية الكيان الإسرائيلي بردٍّ “قاسٍ ومناسب على اغتيال ثلاثة مقاومين بواسطة طائرة مسيرة قرب مدينة جنين.
وقال بيان للمقاومة: إن “عملية الاغتيال الجبانة في جنين لن تمرّ مرور الكرام، وستردّ المقاومة عليها رداً قاسياً ومناسباً لحجم الجريمة. إن استخدام الجيش الإسرائيلي للطائرات في اغتيال أبناء شعبنا تصعيد خطير، لتفجير الأوضاع، بعد تزايد عجزه عن حسم المعركة مع المقاتلين في الميدان”، مؤكدةً أن عمليات الاغتيال لن توقف المقاومة، ولن تُرهب الشعب الفلسطيني، بل ستكون فرصة ثمينة للثأر للشهداء، والدفاع عن الشعب الفلسطيني في كل المناطق.
فما الذي استجدّ في ميدان جنين، وهي التي شنّ جيش الاحتلال ومنظومته الأمنية حملة “كاسر الأمواج” ضدها، فاعتقل وقتل وجرح الآلاف طوال عامين؟.
كيف أفلتت جنين أمام هذا الكم الهائل من البطش والتوحّش، وهي المدينة الصغيرة بمخيمها وريفها المحدود المساحة والسكان، والتي تمثل خاصرة رخوة بين جمع من معسكراته المحيطة بها كالسوار، حتى تطلّب دخول طيران الأباتشي ليقصف، ثم طيران “إف 16” لتوفير الدعم؟
لقد وجد سلاح الجو الإسرائيلي نفسه وسط معركة لم يحدّد ميدانها مسبقاً، بمعنى أن زمام المبادرة سقط وسط ضجيج العبوات وأزيز الرصاص، ليتحوّل التوغّل الإسرائيلي إلى عملية إنقاذ مضنية استمرّت 8 ساعات في ضاحية من ضواحي مدينة جنين المكشوفة عسكرياً، ولكنها مطرزة بسواعد جيل أريد له أن يكون مكويّ الوعي منذ حملة 2002، ما “تطلب” دخول سلاح الجوّ، في وقت اعترف فيه الجيش أن كامل لواء “عوز” للوحدات الخاصة دخل على خط المعركة بوحداته الأساسية، و”يمام” من حرس الحدود، و”يسام” من فرقة المظليين، وقوات النخبة “الدوفدوفان”، و”ماجلان” المتخصّصة للعمل خلف الخطوط.
لذلك تم استقدام سلاح الجو بداية لتنظيم عملية إنقاذ الإصابات، ثم تطلّب الأمر مساندة القوات على الأرض لحماية الجنود العالقين وسط زحمة النار، ليتطوّر دور الطيران في حماية التعزيزات، وقد فقدت الثقة بتحصيناتها وهي تجد الآليات تترنّح أمام زحمة التفجيرات، حتى وجدت هذه الطائرات نفسها في حالة استهداف مباشر، ما اضطرّها إلى إطلاق الصواريخ، قبل أن تفرّ من سماء المعركة. وسواء أمكن هذه الطلقات أن تؤثر في جسم الطائرة أو ذيل مروحيتها أم لم يكن بإمكانها ذلك، فإنها أحدثت اضطراباً في فاعليتها القتالية، وحدّت وظيفتها التي استُقدمت لأجلها.
قديماً، قال وايزمن إنه يطمح إلى سلام عربي إسرائيلي تحلّق فوقه طائرة حربية إسرائيلية على الدوام، في إشارة ضمنية إلى قدرة الطيران الإسرائيلي على فرض الاستسلام على العرب، ولكن لم يدرِ وايزمن، وهو أبو سلاح الجو الإسرائيلي، أن طيرانه وقف اليوم عاجزاً في سماء جنين، رغم عقود من جهود الضابط الأميركي دايتون في محاولة تطويع شبابها.
هيفاء علي