أمسية للفن والحب
سلوى عباس
اختتمت فرقة وكورال معهد محمود العجان الموسيقية فعاليات ملتقى جبلة للفنون التشكيلية بإشراف الأساتذة إلياس سمعان وزياد عباس وشذى محمد، حيث احتضن مسرح جبلة الأثري حفلاً لطلبة المعهد قدموا فيه مجموعة من الأغاني لاقت تفاعلاً كبيراً من الجمهور الذي ملأ المدرج، فانطلقوا في فضاء الفن ليساهموا مع غيرهم من الفنانين الموسيقيين في رسم مستقبل الموسيقا الذي يعيشه الآن محبوها، وها هم رغم زحمة الحياة، وحالة الألم والأسى التي تلفّ حياتنا، ما زالوا مع شباب سورية في كل المحافظات يفتحون لنا في الحياة نوافذ الفرح، حيث أخذ كلّ منهم يرسم حلمه عبر أوركسترا متعددة، بأسماء تنبض بروح الأصالة.
لوّنت الفرقة أمسيتنا بظلال الفرح، وحملت في روحها عبق بلادها لتنثره على مسامعنا درراً مضمخة بألحان موسيقيي الأوركسترا الذين تماهوا معها في نشوتها وتألقها، ونسجوا لنا وشاحاً من مروج خضراء مزينة بألوان قوس قزحية، وكانت الأمسية لقاء من شوق حميم يجمع في حضرته الكثير من الأصدقاء والأحبة الذين أخذتهم الحياة في مساربها وجاؤوا ينشدون فسحة من ألق الروح.
تألقت الفرقة في أغنيات عمالقة الطرب والغناء العربي فعزفت وغنت مجموعة مقطوعات وأغان موسيقية من الطرب الاصيل بمستوى عال وأداء رائع، فقدمت التراث بروح المعاصرة، لتكون توليفة حملت في ثناياها عبق التاريخ بمراحله وأزمانه المختلفة.
لقد كانت هذه الأمسية مع أمسيات أخرى سبقتها في كثير من المناسبات تأكيداً على حيوية الشعب السوري المتجذّر في التاريخ، والذي أثبت للعالم كلّه، وعلى مر الزمن أنه طائر الفينيق الذي ينهض من رماده ليبني أسطورة وجوده، ويؤكد قدرته على تجاوز المحن، وهل أجمل من الموسيقا وسيلة للتعبير عن عشقه للحياة التي تغلغلت في روحه ثقافة لا يجاريه بها أحد، خاصة وأنه في السنوات الأخيرة بدأت الموسيقا تأخذ موقعها اللائق بين الفنون، وغدت فناً مستقلاً بذاته، فناً يتعاطاه الناس بالفطرة بإصرارهم على حضور الأمسيات الموسيقية التي تقام في دور الثقافة في المحافظات، أو في المعاهد الفنية وغيرها، مهما كانت الظروف، كما أصبح هناك معاهد ترعى المواهب الموسيقية وتنميها كمعهد محمود العجان للموسيقا في اللاذقية والذي أصبح اسماً متفرداً في عالم الموسيقا المحلية والعربية يرفد الساحة الموسيقية بأسماء لامعة أثبتت حضورها وتميزها، ويكتشف مواهب متعددة ليكونوا رافدين لخريجي المعهد العالي للموسيقا في دمشق، وليسمو الجميع بالحياة للمستوى الذي يليق بوطنهم.
تلك الأمسية التي كانت موعداً غير منتظر، حملت معها ليلة مزخرفة بنشوة الفرح المعجون بعبق التاريخ الذي تختزنه جبلة في حناياها، جبلة العطشى للفن والحب والتي شرعت أبوابها للجمهور الذي أتى ينشد فسحة من ألق الروح، وكانت حالة من التناغم والانسجام عاشها عشاق الموسيقا، كانوا خلالها يتبادلون متعة الإحساس الذي يلامس شغاف القلب ويمحو عنه ما تراكم من غبار التعب والأسى، مما أتاح لأعضاء الفرقة حالة من التألق، والتعبير عن مقدراتهم ومواهبهم التي جعلت المكان ينبض بالأصالة والمعاصرة، ويشيع الدفء والسحر وتتألق الروح في أنشودة محبة اجتمع الحاضرون على أنغامها.