تحقيقاتصحيفة البعث

ماذا تضمنت مبادرة الموفدين لتسوية أوضاعهم والاستفادة من خبراتهم؟

يُفترض أن تشغل قضية الموفدين حيزاً مهماً من تحرك الاتحاد الوطني لطلبة سورية، ونجزم أنه على اطلاع كافٍ ووافٍ بهذه القضية من خلال فروعه الخارجية، بل إن المبادرة التي وقعها مئات الموفدين، وتتضمن مقترحات لتسوية أوضاع المتخلفين عن العودة إلى سورية، تسلم الاتحاد نسخة منها في شهر آب 2022، ونتوقع أن المكتب التنفيذي للاتحاد ناقشها وأبدى ملاحظاته عليها، لكن السؤال: هل سلم اتحاد الطلبة مبادرة الموفدين إلى وزارة التعليم العالي؟

حسناً، سنفترض أن مبادرة الموفدين لم تصل إلى الاتحاد، وسنفترض أن وزير التعليم العالي لم يسمع بها، ولم يقرأها كي يرفعها إلى رئاسة مجلس الوزراء، لذا سنستعرض أبرز ما جاء في هذه المبادرة على أمل أن تستأثر باهتمام وزارة التعليم ورئاسة الحكومة في القادم من الأيام للوصول إلى حلّ جذري ونهائي للموفدين، بما يضمن استرداد حق الدولة من جهة والاستفادة من خبراتهم من جهة أخرى.

بداية المشكلة

المشكلة بدأت بمطالبة الموفد بمبالغ (خيالية) بأثر رجعي، فبعد صدور قانون البعثات العلمية لعام 2013، أصدرت وزارة التعليم العالي النظام المالي التابع له، والذي أقرّ إصدار جميع مطالبات الموفدين الصادرة بعد 1 /8 / 2013 بالقطع الأجنبي.

القضية: إن تطبيق النظام المالي الخاص بقانون البعثات العلمية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 6 لعام 2013، وبأثر رجعي على الموفدين وفق قانون (البعثات العلمية رقم 20 لعام 2004، والذي له نظامه المالي الخاص به، أدى إلى مطالبة الموفد القديم وكفيله بمبالغ تصل أحياناً إلى خمسمائة ألف يورو، أو ما يعادلها بالليرة السورية، بسعر الصرف عند التسديد، مهما كان وضع الموفد، سواء حصل على المؤهل ولأسباب قاهرة لم يتمكن من العودة حالياً، أم لم يحصل عليه، في حين أن ما سدّده زميله الموفد معه بموجب القانون ذاته وللمدة نفسها والتاريخ نفسه، طالبته الإدارة بمبالغ باللیرة السورية وفق سعر الصرف عند التحويل.

والسؤال المهم: ما ذنب الموظف أو الضابط الذي قاتل أعداء الوطن ليصادر تعويض نهاية خدمته ويحجز على أمواله وراتبه وكل ما يملك، والسبب فقط أنه كفيل موفد تعذرت عودته من الإيفاد، ووقع كفالته في ظل قانون لا يسمح بهكذا مطالبات؟!

مقترحان لحلين عادلين 

انطلاقاً من الوضع المأساوي للموفدين وأسرهم في بلدان المغترب وعائلاتهم في الداخل وكفلائهم وأسر كفلائهم، والآثار الاجتماعية والوطنية والأخلاقية، والسلبية الكارثية التي خلفتها أزمة الموفدين، وانطلاقاً من الحاجة الماسة لوجود حل لمصلحة الجامعات السورية في المقام الأول، اقترحت مبادرة الموفدين التالي:

1 ـ إصدار المرسوم المتعلق بموافقة رئاسة مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 27 /4 / 2021، وأهم بنودها تعديل المطالبات لتبقى ضعف النفقات، على أن تحتسب بالليرة السورية وبسعر الصرف عند استلام الرواتب عند التحويل وفق القرار 1506 / وب لعام 2002.

2 ـ  أن يتم احتساب مثل النفقات بدلاً من الضعف، واعتماد تاريخ انتهاء الإيفاد الفعلي، والذي يمثل اليوم التالي لآخر يوم في مدة الإيفاد، أو تمديد الإيفاد إن وجد، أو اليوم التالي لمرور خمسة عشر يوماً على عدم الالتحاق بالعمل بالنسبة للمطالبين بنسبة ما تبقى عليهم من التزام، وذلك كتاريخ مرجعي لاحتساب المطالبة المالية بناءً على سعر صرف وسطي موحد عن كل سنة مالية .

بمعنى آخر تعديل المادة 1 الفقرة ب من المرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2017 التي تنصّ على:

” ب ـ تتم المطالبة المالية للموفد خارجياً ببعثة على نفقة الدولة أو بمنحة بالقطع الأجنبي المدفوع إليه أو ما يعادله بالليرة السورية حسب نشرة أسعار الصرف في مصرف سورية المركزي بتاريخ تسديد المبلغ”.

لتصبح

“تتم المطالبة المالية للموفد خارجياً ببعثة على نفقة الدولة أو بمنحة بالقطع الأجنبي المدفوع إليه، أو ما يعادله بالليرة السورية، حسب نشرة أسعار الصرف في مصرف سورية المركزي بتاريخ انتهاء الإيفاد الفعلي”.

– هنا وجب التنويه بأنه يوجد إضافة لكل مطالبة حالية 35% غرامات تأخير، وحيث إن متوسط المطالبات المالية للموفدات والموفدين 250 ألف يورو، فهذا يعني غرامات تأخير في الدفع بمعدل 87 ألف يورو لكل موفدة وموفد، وهذا ما ساهم في جعل أمر تسوية تلك المطالبات ضرباً من الخيال، وفي حال تطبيق أي من الحلول سالفة الذكر، ستلغى هذه الغرامات بشكل تلقائي.

الآفاق القابلة للتطبيق

1 ـ إمكانية التعاون بين الموفدين سابقاً من خلال وجودهم على رأس عملهم في الجامعات الخارجية حول العالم من خلال المنح العالمية والتي يتم الحصول عليها بالتعاون بين الجامعات السورية والجامعات العالمية التي يعمل فيها الموفدون السابقون حالياً (هذه المنح يتم الحصول عليها لدعم البحث العلمي في سورية، مثال: Horizon Europe Fund, Cultural Heritage Fund, OECD Funds, وغيرها)، مع ملاحظة وجود سورية على قائمة الدول التي تستحق هذه المنح.

2 ـ إمكانية إنشاء منصة رقمية بالتعاون بين الموفدين سابقاً والجامعات والمؤسسات التعليمية السورية من أجل تقديم برامج تعليمية ومعلومات حول أحدث الأبحاث العلمية والمنشورات، كما يمكن تنظيم هذه المنصة لإيجاد أقسام بحسب الاختصاص، وتسجيل محاضرات وفيديوهات تعليمية لدعم التعليم داخل سورية، وهو مشروع قيد الدراسة حالياً كمبادرة عملية من الموفدين في الخارج بالتعاون مع اتحاد الطلبة، للتعليم عن بعد، بحيث يبقى هؤلاء الموفدون بحكم انتشارهم في عدد كبير من بلدان الاغتراب على اطلاع دائم بآخر التطورات في هذه البلدان سواء في مجال البحث العلمي أو في المجال العملي، ما يؤمن لجامعاتنا وطلبتنا نافذة مفتوحة بشكل دائم على حركة التطور العلمي.

3 ـ  تنظيم ورشات عمل عن بعد حول مواضيع واختصاصات مختلفة بالتعاون بين الجامعات السورية والموفدين خارج اًو على رأس عملهم الحالي، مع العلم أن جامعة دمشق قامت بتنظيم مثل هذه الورشات وبنجاح وخصوصاً المعهد العالي للتخطيط .

4 ـ  مؤتمر سنوي للموفدين، حيث يتم تنظيمه على أرض الوطن ومن خلاله يتم تشجيع التعاون بين الجامعات والمؤسسات العالمية مكان العمل الحالي للموفدين سابقاً (والمؤسسات التعليمية السورية)، وإتاحة البحث العلمي في مجالات متعددة وتبادل الخبرات العالمية.

5 ـ تعهد الموفدين سابقاً بإضافة نسخة رقمية من كتاب أو مقالة علمية سنوياً إلى المنصة الرقمية التي سيتم إنشاؤها، ويكون هذا الكتاب أو المقال متعلقاً باختصاص الموفد، وليس بالضرورة من منشوراته، وبذلك يتم إغناء المنصة بمنشورات علمية عالمية.

6 ـ إمكانية التعاون من خلال برامج علمية مشتركة، سواء ماجستيرات وغيرها، بين الجامعات السورية والجامعات التي يعمل فيها الموفدون السابقون.

7 ـ إمكانية فتح باب التبادل الطلابي وفرصة تشجيع زيارة الطلاب الأجانب إلى سورية وتشجيع السياحة العالمية وإثبات أن سورية بلد حضاري علمي وآمن.

8 ـ إتاحة الفرصة لآلاف المبادرات الشخصية والجماعية لدعم ريادة الأعمال في سورية.

أخيراً..

توجهت مبادرة الموفدين لأصحاب القرار بنداء إنساني عاجل للسماح للموفدين الصادرة بحقهم قرارات اعتبارهم بحكم المستقيل، بالتقدم بطلبات تسهيل زيارة القطر، ولو لمرة واحدة.

علي عبود