محمد الماغوط.. العلامة الفارقة في الشعر والمسرح
أمينة عباس
احتفت فعالية “نوافذ” التي تقام شهرياً في المركز الثقافي في أبو رمانة بدمشق بالأديب محمد الماغوط، شاعراً وكاتباً مسرحياً، بمشاركة أسامة الماغوط وداوود أبو شقرة،
علامة فارقة
وأكد أسامة الماغوط أن الشاعر محمد الماغوط علامة فارقة في تاريخ الشعر العربي المعاصر عبر معجمه الهائل الذي أغنى به قصيدة النثر التي بدأ كتابتها منتصف خمسينيات القرن الماضي، حيث حمل إلى بيروت أولى أشعاره، محدثاً خلخلة في المشهد الشعري بين شعراء التفعيلة وداخل جماعة الحداثة من خلال مجلة “شعر” البيروتية التي ساهمت أشعاره في تحديد مشروعها الحداثي في القصيدة، لأنه تجاهل كل القوانين القديمة التي تحكمت بأصول الكتابة الشعرية، ولاسيما في مجموعته الشعرية الأولى “حزن في ضوء القمر” عام 1959 التي جاءت بمثابة بيان شعري يملؤه الاحتجاج والصراخ والحزن، مقتحماً بذلك الأبجديات التقليدية للشعراء، فكان الأب الشرعي لقصيدة النثر العربية، حيث استطاع أن يقلب الطاولة على كل أبناء جيله، ناقلاً ذائقة القارئ إلى مفردات تمرده وعصيانه.
وبيّن أسامة الماغوط أن عتاة الشعر التقليدي والأوزان حين كانوا يواصلون هجومهم على قصيدة النثر ويطلقون عليها من الأوصاف ما يتوقعون أنه يخرجها من فضاء الشعر مثل “نثيرة”، و”نثر شعري”.. إلخ، فإنهم استثنوا محمد الماغوط وكانوا يشترطون كتابتها مثله، نافين عن الآخرين إمكانية كتابتها لا لصعوبتها ولكن لأنها ليست شعراً برأيهم، فيما الماغوط كتبها بوصفها شعراً، وهذا برأيهم استثناء لا يقاس عليه الآخرون، وبذلك تم تتويج محمد الماغوط كمؤسس لا ينازَع لهذه المملكة الشعبية الرحبة والديمقراطية من خلال قصيدة النثر التي أنزلها من سماء الحنين الرومانسي والروحانيات والوجوديات إلى أرض الحفاة والعراة والجائعين والمحطمين، فمزج مفردات الحياة اليومية بمعجم مبتكر من الجماليات اللغوية ذات الحساسية العالية في التقاط المفارقة والضجر من السائد والظلم الاجتماعي بصورة عامة، فكانت شخصياته تحمل قدراً من البساطة والفطرة، وكان الغضب عنده أساسه الحزن، وهو جرح ينزف حزناً قديماً في صورة شعرية نبيلة يرسم كاريكاتيراً ساخراً وساخطاً.
ورأى أسامة الماغوط أن محمد الماغوط تشبث بعفويته وفطرته وتلقائيته التي استقاها من بيئته الريفية عند تحوله إلى كتابة المسرح والزوايا الصحفية بعد صمته الشعري، وقد كتب عشرات المقالات التي كانت البذرة الأولى لمسرح سيكتبه رداً على أطروحات ما عُرِف وقتها بمسرح النخبة، لذلك اختلف محمد الماغوط الشاعر جذرياً بما كتبه من نصوص مسرحية للخشبة، فكانت مسرحيات “المهرج” و”العصفور الأحدب” و”خارج السرب” و”غربة” و”ضيعة تشرين”، و”كاسك يا وطن” من الأعمال المسرحية التي زاوج من خلالها بين المسرح الشعبي والمسرح السياسي، حيث تمتعت كل من “العصفور الأحدب” و”المهرج “بمزاج حاد خلط اللغة الشعرية بالمشهدية والفعل على المسرح، وهذا ما جعل النقاد يصفون تجربة محمد الماغوط مع فرقة تشرين التي أخرج الفنان دريد لحام أعمالها بأنها من المسرحيات المحيرة نقدياً لما يتمتع به هذا المسرح من روح السخرية والمرارة والنكتة الشعبية والغنائية والاستعراضية.
شارلي شابلن
وأوضح أبو شقرة في مشاركته أن الماغوط كان من الأدباء الذين يذهبون في كتاباتهم إلى أقصى معنى التجريب وحافة الهاوية دون مهابة، فكتب مسرحاً يفتقد إلى البنية الدرامية لكنه كان مليئاً بالدلالات التي تشير إلى القهر، مبيناً أنه عندما قرأ مذكراته المبكية تفاجأ بحجم الفاجعة فيها، وهو ما يفسر العبثية التي عاشها في حياته وكتاباته التي اجتازت الحدود والأحزاب والأيديولوجيات، وهو بذلك كان أشبه بشارلي شابلن الذي كان يقدم ما هو مضحك ظاهرياً ولكنه المحزن باطنياً.
يُذكر أن الاحتفاء بالأديب محمد الماغوط بدأ بمشهد مسرحي أداه الفنان خوشناف ظاظا متقمصاً فيه شخصية الماغوط وهو يتحدث عن كتابه “سأخون وطني”.
وتستمر فعالية “نوافذ”، بدعم من مديرية المسارح والموسيقا، بتسليط الضوء على الشخصيات الثقافية والفنية لتعريف الأجيال الجديدة بما قدمته في مسيرتها وأغنى الحياة الثقافية.