صحيفة البعثمحليات

مخاض “الوظيفة العامة”…؟!

بشير فرزان

حشدُ الأدلة والبراهين والحجج على أهمية التغيير وضرورته في بنية العديد من التشريعات والقوانين الخاصة بالعمل والعمال، بعد كلّ هذه السنوات من الاجتماعات والمناقشات الخاصة بتعديلات القانون 50 منذ العام 2004، ومن ثم ما يُسمّى “قانون الوظيفة” وغيره من القوانين، يعدّ مضيعة للوقت، كونها دخلت حالة الإلزام والضرورة للانتقال إلى مرحلة جديدة في العمل الوظيفي الذي أُثقل بالكثير من الأعباء، وبات أكثر بعداً عن الواقع، وليكون التأخير في إقرار التعديلات المطلوبة بمثابة ضربة قاضية للمنظومة الوظيفية بأكملها داخل المؤسسات، كما أثر وعرقل كل الجهود الهادفة لتحسين الواقع المعيشي وبنية العمل الإنتاجي.

ولن نطلق الأحكام القطعية أو نقيّم عمل أي جهة، ولكن يحقّ لنا أن نشير إلى التأخير الحاصل في إقرار هذا القانون، الذي أعيد على ما يبدو إلى مراحله الأولى من النقاش، رغم التأكيد المستمر على قطع أشواط عديدة في إنجاز مشروع “تحديث بنية الوظيفة العامة” المزمع إصداره، ليبقى الملف متنقلاً داخل الأروقة دون أن يتقدم “قيد أنملة” كما يُقال، ولنبقى تائهين بين عشرات التجارب الدولية في هذا المجال للحاق بركب التطور والارتقاء بمعالجة كلّ ما يتصل بعالم العمل لمواجهة التحديات في ضوء المصطلحات الكثيرة التي تظهر من الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي والأمن السيبراني، وقضايا كثيرة أصبح العالم يتحدث بها، في الوقت الذي بقيت الكثير من مشاريع تعديل القوانين مجمّدة لأسباب كثيرة، منها ما هو منطقي ومقبول كـ “الحرب والحصار”، ومنها ما يندرج تحت عنوان ضعف الأداء وضبابية الأفكار وعدم القدرة على إحداث نقلة نوعية في منظومة القوانين والتكلفة المالية للمشروع، وهذا ما أدان كلّ الجهات المعنية وفي مقدمتها وزارة التنمية الإدارية.

بالمختصر.. الجهات المعنية بهذا القانون تسعى لدخول كتاب غينيس للأرقام القياسية من بوابة عدم القدرة على حسم قرارها النهائي بشأن هذه التعديلات، التي ما زالت متأرجحة بين أخذ وردّ رغم فترة مخاضها الطويلة في غرف الاجتماعات والورشات والندوات. وما يثير الغرابة أكثر أنه في كلّ مرة يتمّ فيها الاتفاق على التعديلات بشكل نهائي، يفاجئنا أصحاب القرار بإلغاء كل ما تمّ الاتفاق عليه والعودة إلى نقطة البداية لتبقى حبراً على ورق دون أن تلج إلى ساحة التنفيذ. وهذا ما يتكرّر الآن من خلال إعادة مشروع الوظيفة العامة بكافة محاوره إلى ساحة ورشات العمل وبشكل يطرح الكثير من إشارات الاستفهام، ويشكك في جدية التعامل مع هذا الملف الذي يكشف أن كلّ جهة تعمل على حده، ويمكن إدراج نقاشها خلال الفترة الماضية في خانة حوار الصم. وهنا نسأل: ماهي الإجراءات التنفيذية التي ستتخذها الحكومة لإنقاذ المشروع الذي يتوقع أن تكون ولادته المالية عسيرة، وقد تؤدي بعد مخاض طويل إلى موته.. فهل هذا هو المطلوب؟!