هذه الروبوتات
عبد الكريم النّاعم
التقدّم التّكنولوجي الذي عشنا، ونعيش، مواجهين بعض تطبيقاته، شيء لم تعرفه البشريّة من قبل، من أبعد ما في الفضاء، إلى أعماق الأرض والبحار، عدا ما اكتُشف في أعماق النفس البشريّة، تلك الأعماق التي يشملها القول الشعري:
وتزعمُ أنّك جرْمٌ صغيرٌ وفيك انْطوى العالَمُ الأكبرُ
ثمّة روبوتات متنوّعة، فقد بدأتْ من عالَم الآلة الحاسبة، ولم تنته، ولا ندري ما يُخبّئ لنا القادم من المخترَعات،.. لم تنته بالروبوت الذي يقوم بجميع الخدمات، في البيت، كما في المعمل، وفي إصلاح أعطال الآلات، وإشعال الضوء، وتشغيل الغسّالة، وتنظيف الصحون، وتناولك الكتاب، تقوم بذلك دون شكوى ولا تعب، ولا “نقّ”، وثمّة روبوتات تحادثها فتجيب بمقدار ما خُزِّن فيها، وتظهر على ملامح وجهها علامات السرور أو الغضب، وثمّة روبوتات تحارب، وتقتحم، وتقتل، والمشكلة في مواجهتها أنّها بلا مشاعر، ولا تعرف الخوف، ولذا ستكون مواجهتها مشكلة قد تحتاج إلى حلّ يهزمها، وهذا مُقلِق، ولاسيّما في البلدان المُستهدَفة، وهذا الاستهداف سيظلّ قائماً ما بقيتْ أسبابه، وما دام في باطن الأراضي ما يُطمَع فيه، وهذه حقائق، وليست مجرّد لافتات كتابيّة، ومَن لا يعي ذلك، أو ينفيه، هو واحد من اثنين، إمّا أنّه جاهلٌ حتى عمى البصيرة، وإمّا أنّه مرتبط بجهة لا تريد لنا الخير، فتصوّر أنْ تُفرَض عليك حرب مواجهة فتُقابل جيشاً من الروبوتات المزوَّدة بأحدث الأسلحة.
هنا ثمّة نقطة مهمّة وهي أنّ الانسان يستطيع أن يُغيِر في خططه، وفي انتقاله، وفي تخفّيه وفي ابتكار الحلّ، بحسب الحالة التي يواجهها، بينما الروبوت لا يستطيع التصرّف إلاّ بحسب الأوامر المزوَد بها، وتلك نقطة ضعف قاتلة، بيد أنّ الذين يشغلهم همّ تطوير الروبوت يسعون جادّين لسدّ الثغرات، وكلّما انفتحت ثغرة بادروا إلى تداركها، ودوافعهم فيها متعدّدة، فالرغبة في التطوير أحد هذه الدوافع، وثمّة دوافع عمليّة، وبعضها خطير جداً، فالذين يسعون جادين لتطوير الروبوتات التي تحلّ محلّ العامل على الآلة، أو في المصنع، بالغة الخطورة، لأنّ الذي لا يفكّر إلاّ بكيف يزيد ثروته، ولو على حساب موت الآخرين، هذا أخطر من الوباء على البشريّة، ومشكلة الرأسماليّة الغربيّة أنها بيد أناس لا يشغل بالهم أن يموت سكان نصف المدينة التي هم فيها، إذا كان في ذلك كسب لهم، وتلك هي وحشيّة ليس لها مثيل، فبعض الروبوتات يقوم بعمل 80% من تعداد العاملين في معمل ضخم، وهذا يعني أن تتلقّفهم البطالة، والفقر، والحاجة، بما ينجم عنها من أمراض نفسيّة، واقتصاديّة، واجتماعيّة، وأخلاقيّة، والبلاد المتقدّمة تكنولوجيّا هي التي ستواجه هذه المعضلة، لا البلدان التي ما زالت تحبو باتجاه أن تكون متقدّمة، وعسى ألاّ يكون تقدّمها تقليداً لما جرى حيث الكوارث المحتملة.
كاتب نص مسلسل تلفزيوني وصل إلى نقطة استعصى عليه فيه كيف سيتابع، فدلّه أحدهم على موقع روبوت فناقشه الروبوت مناقشة الضليع الخبير، بيد أنّ هذا لا يلغي أنّ ثمّة عجزاً بنائياً في هذه الروبوتات، فلقد أجريت مقابلة صحفيّة مع روبوت متقدّم، وتبيّن أنّه يتكلّم أحياناً كما يتكلّم أيّ حشاش، ممّا يجعل الثقة أضعف من التوقّع.
في ثمانينات القرن الماضي، نُشرت قصّة مترجمة تتحدّث عن هذه الروبوتات، وكيف تمردّت على مخترعيها وانطلقتْ تدمّر، وتخرّب، فهل نحن أمام ما يشبه التنبّؤ؟!!.
في اعتقادي أنّ العمل على إنصاف الإنسان، وترسيخ ما يجعله أكثر تفتّحاً هو أجدى بما لا يُقاس.
لقد حذّر الأمين العام للأمم المتّحدة، غوتيريش من هذا واعتبره كارثة بشريّة، وما سيصيب دول المركز سيطالنا بشكل ما.
aaalnaem@gmail.com