الطريق إلى الحج
فيصل خرتش
موكبهما يبدأ من دمشق في الثامن من شهر شوَال، وطريقة الاحتفال بهما كانت تتمّ بوضع المحمل على جمل مخصّص له، ويرفع الصنجق على سارية خاصة به، والمحمل: هو هيكل مغطى بقماش مخملي أخضر، كتب عليه بالقصب آيات من القرآن، يحمله جمل مزين بأقمشة مزركشة وجلود جميلة، خيطت عليه أصداف صغيرة ومرايا، يرافق أمير الحج من دمشق إلى الأماكن المقدسة في الحجاز، أمَا الصنجق: فهو علم النبي، كان يحمل على جمل ويمسك بهذا الجمل موظف خاص يلبس هنداماً مزركشاً، وكان الدمشقيون يحترمون هذين الجملين ويتمسّحون بهما تبركاً ويخرج موكبهما من دمشق إلى الحج في السادس عشر من شهر شوَال.
وطريقة الاحتفال تكون بوضع المحمل على جمل خاص، ويرفع الصنجق على سارية خاصة به ويتقدّم على الصنجق جمل المحمل، ويكونان مزينين بخيوط الذهب الخالص، ويرفع الصنجق على أيدي حامليه وإلى جانبه الأيمن مجموعة من الجنود، ويحمل دعاماته الذهبية رجلان وترافقه عشرة أعلام أحدها أبيض واثنان أخضران وبقية الأعلام باللون الأحمر، ويحمل مع الصنجق غلافه الأخضر المرسل من استانبول للحفاظ عليه وصيانته، ويتقدم الموكب مجموعة من المؤذنين وهم يحملون المباخر، ثمَ يأتي الجربجية بأزيائهم القشيبة وأسلحتهم المذهبة، يليهم السكبانية والأرناؤطية (الجنود الخاصة) ثمَ الينكرجية والسباهية والزعماء وعسكر القلعة وأعوانهم وأكابر الدولة وقاضي المحمل وباش دفتردار وآغا القابي قول وكاتب الينيكرجية ثمَ تأتي التخوت (جمع تختروان) المزينة بالأطالس ومعهم عامة الحج، وعندما يبدأ الموكب بالمسير، تطلق المدفعية نيرانها، ويردّد المؤذنون والمصلون العبارات الدينية ثلاث مرات، ويشارك أصحاب الطرق الصوفية في هذا الموكب.
ويتحرك الموكب، وتقدَم الضيافات من الأحياء التي يمرّ بها وكانت الشوارع والأسطحة تغصّ بالمتفرجين من نساء وأطفال.
كان الخروج يبدأ ما بين 15 – 17 شوَال من كلّ عام، في الساعة التاسعة والنصف صباحاَ، وكانت القافلة تضمّ حجاجاً من جنسيات مختلفة، وكان منهم العرب والفرس والأكراد والتركمان والهنود واليزبك والشركس والألبان والبشناق والأفغان، ولأهميَة قافلة الحج عيَنت الدولة أميراً عليها وأعفته من كافة الالتزامات تجاهها، مقابل تأمين القافلة وسلامتها، وقد أوردت إيزابيل بورتن في أوائل النصف الثاني من القرن التاسع عشر وصفاً جميلاً للقافلة، حيث تقول: “تخرج الصناديق أولاً المختومة بخاتم الوالي، وتعقبها أربعة طبول وخلفها ثلاثون فارساً مكلفين بالحراسة لهذه الصناديق التي بها عفش أمير الحج والقافلة، وتأتي بعدهم هدايا الحكومة للمدينتين المقدستين”، ثمَ يأتي الفرسان تعقبهم جمال تحمل عفش أمير الحج مزينة بشكل جميل، ثمَ محفات السفر، وكانت تسير بين الجمال خيالة من الرجال وبعض النساء كنَ يرتدين الإزار ويعلو وجههنَ نقاب، وهنَ على صهوات الجياد، وبعد ذلك يأتي أفراد الفرقة الموسيقية وهم يعزفون على النايات والأبواق والصنوج، ثمَ تعقبها فرقة الطبول الصغيرة لتأتي بعدها عربة الوالي ويأتي خلفها الموكب الرئيسي للقافلة يقودهم القائم مقام، تأتي بعدها مجموعة من الفرسان بأزيائهم الحمراء القرمزية، وبعد ذلك تمر المدفعية ممثلة بمدفعين من النحاس على عربتين خضراوين، يليهما تختروان خاص بأمير الحج مزين بالذهب، يحمله حصانان مسرجان بسرجين أحمرين يتهدل عن ظهرهما قماش أحمر مطرَز بجدائل صفراء، ويأتي خلفه العلماء على صهوات جيادهم المميزة بياقات ستراتها العريضة الموشَاة بالذهب وكانت معاطفهم قرنفلية مطرَزة بأشكال جميلة، ويأتي في المقدمة قاضي القضاة بعمامته البيضاء المزينة بشريط ذهبي وخلفه النواب بأزيائهم الرسمية، وبعدهم رجال الدين مع طلابهم الذين يرتدون عمائم مختلفة تدلَ على وظائفهم.
يلي هذا الموكب المحمل الشريف ثمَ الصنجق فأمير الحج، يعقبه رتلان من الحرس الخاص، ومن ورائهم الجنود يقرعون على طبولهم، ثمَ البدو القادمون من البادية، يركبون الهجن وهم يتمايلون على ظهورها، ويحملون بنادقهم وسيوفهم، تتدلى من جمالهم شرَابات طويلة، وكان بعضهم يحمل سيفاً عربياً أو بارودة طويلة، تزينها شرَابات خاصة تتدلى منها، وتسير خلفهم جمال تحمل صناديق تحوي على حقائب الحجاج وبضائعهم.
وكان أبناء دمشق يتزاحمون على أبواب المدينة للولوج إلى داخلها في هذه المناسبة وهم في أبهى حللهم القشيبة، وألوان أزيائهم الزاهية، فتمرّ الشخصيات البارزة وهي تمتطي صهوات الجياد بسروجها المذهبة، والبعض الآخر على الحمير البيضاء، والنساء المتلفعات بالأزر الزرقاء والبيضاء، وبعضهن يحملن أطفالهنَ ويقفن أمام المخازن على المصاطب النافرة أمامها، والأطفال على أسطحة المنازل والمحلات.
وكانت تلك المناسبة ممتعة للجميع إلى الدرجة القصوى، فكنت ترى في هذا الزحام: الفرس والتركمان، عليهم عمائمهم وعباءاتهم الفضفاضة، أمَا الهنود والأفغان فيرتدون ستراتهم السوداء وعماماتهم الكبيرة البيضاء، والمغاربة ببرنسهم الوطني أبيض اللون وبأعداد كبيرة، والسمرقنديون والبخاريون الذين يمتازون بوجوههم المنبسطة وأنوفهم الفطساء وعيونهم الضيقة ونظراتهم الخالية من التعبير والشعر الباهت أو الأصفر، والقفقاسيين مسترسلي اللحى ويعتمرون بعمامات ضخمة لا لون لها أو بقلنسوات فرائية خشنة مطوقة بشاش، والجنود الأتراك يرتدون زياً مزركشاً، والحجاج الفرس باللباد وبلحى أرجوانية مخضبة بالحناء، يرتدي بعضهم جلود الحملان وتبدو على وجوههم مظاهر رسوخ العقيدة، ويتلفعون بسترات صوفية طويلة من الشال أو ما شابه ذلك أو بثياب فضفاضة فيها نقاط خضراء محبوكة بشكل جيد.
أمَا أصحاب الطرق الصوفية فكانت كلّ واحدة منها تشارك بأسلوبها الخاص، يقوم الدراويش بعمل عقدات على شكل ورود مع قيامهم بالإنشاد والتراتيل الدينية، وتراهم مسترسلي الشعر الطويل واللحى، ويضعون على رؤوسهم قبعات من اللباد، وعلى كتف شيخ الطريقة جلد نمر أو غزال وتتدلى من عنقه سبحة خشبية الحبات أو مصنوعة من الخرز طويلة إلى حزامه، في حين كان دراويش المولوية يدورون بانتظام وعلى رؤوسهم قبعاتهم المخروطية المصنوعة من اللباد ذي اللون الأسمر الفاتح.
من خلال هذا الوصف يمكن أن نلاحظ مدى الاهتمام الذي أولته الدولة للقافلة في فترة التنظيمات، لما لها من أهمية دينية وسياسية بالنسبة لها.