اقتصادصحيفة البعث

لإعادة تسويقها.. منظفات “الورشات المخفية” تنبش في قمامة عبوات الماركات

دمشق – ميس بركات

بروائح زكية وجودة رديئة حجزت المنظفات “الفرط” مكاناً لها على البسطات في الأسواق الشعبية من جهة، وفي المحال النظامية المختّصة ببيع المنظفات بالعبوات المختومة من جهة أخرى، لتصبح هذه الصناعة أمراً واقعاً ومُعترفاً به من قبل حماية المستهلك التي لم تبذل جهداً في الإدلاء بأي تصريح بضبط الورشات المُصنّعة لمواد بعيدة كل البُعد عن المواصفات القياسية، لتتعدى هذه المصلحة الورشات وتُصبح في المنازل التي امتهنت الكثير من العوائل العمل بها وبيعها بأكياس نايلون لأهالي المنطقة، خاصّة وأن العمل بها لا يحتاج لرأسمال كبير ولا حتى لاستئجار محل أو ورشة.

رداءة الأصناف النظامية
توّجه الغالبية العظمى من المواطنين لشراء المنظفات “الفرط” لم يكن سببه انخفاض السعر مقارنة بالأنواع المختومة فقط، فتردي جودة الأصناف النظامية خلال السنوات الأخيرة، والتحايل والغش في تصنيعها، وابتعادها هي الأخرى عن الالتزام بالمواصفات القياسية، جعلها تصطف إلى جانب المُباعة “فرط” لترجح كفة الثانية عليها كون مستوى الجودة متشابها، بينما السعر مختلف، ويقلّ عن النظامي بأكثر من 40%، وفق ما أكده الصناعي محمد المقرش، لافتاً إلى أن إقبال المواطنين على المنظفات غير النظامية يتفوق بنسبة تزيد عن الـ 70% عن الأصناف المختومة، خاصّة وأن تكلفة شراء المنظفات للعائلة على مدار الشهر باتت توازي دخل الموظف الحكومي، لافتاً إلى وصولنا اليوم إلى ضعف كبير في الصناعة المحلية لهذه المنتجات، وإغلاق الكثير من المعامل التي كانت مختصّة بها نتيجة ارتفاع تكاليف ومستلزمات هذه الصناعة كباقي الصناعات وغياب الطاقة وسياسة التسعير المُجحفة، وغيرها من الأسباب التي عبّدت الطريق أمام الغش وتغيير المواصفات في معامل ما زالت قيد العمل، كما لعبت دوراً كبيراً بتسهيل عمل الورشات المخالفة التي تتاجر بصحة الناس من خلال بيعها للمنظفات المغشوشة والمُنكهة بروائح تجذب المستهلكين.

تلاعب بالفعالية
وفي تصريح لـ “البعث”، تحدث عبد الرزاق حبزة، أمين سرّ جمعية حماية المستهلك، وأحد الممثلين بهيئة المواصفات والمقاييس السورية، ويحضر اجتماعاتها مع وزارة الصناعة، مؤكدا أن المادة الفعالة في المنظفات المنتجة محلياً وفق المواصفات القياسية السورية كانت 12%، إلّا أن تدخل المُصنّعين ومطالبتهم بتخفيضها بعد سلسلة اجتماعات أدى لانخفاض نسبتها إلى 10%، لافتاً إلى أنه في حال تمّ اعتماد النسبة وتطبيقها بشكل فعلي سنصل لمنتج مضمون، خاصّة وأن نسبة الفعالية هذه مرتفعة مقارنة بدولة الإمارات التي لا تتجاوز نسبة الفعالية فيها الـ 6%، إلّا أن ما يجري هو التلاعب بفعالية المادة كونها ذات قيمة مادية كبيرة، لذلك يلجأ البعض لمخالفة مواصفات المادة الأساسية، إضافة إلى قيام البعض ببيع المنتجات ذات المواصفات المنخفضة بعبوات قديمة لماركات معيّنة تمّ جمعها من القمامة، وهو ما يعتبر من أخطر أنواع الغش، لذا ننصح المستهلك بكسر علب المنظفات والشامبو عند الانتهاء من العمل بها كي لا يتمّ جمعها من قبل النبّاشين، وبيعها لهذه الورشات، وتعبئتها مرة أخرى.

كما تحدث أمين سر الجمعية عن مخاطر بيع المنظفات غير النظامية عبر أكياس نايلون، حيث يتمّ وضع الكثير من الصود الكاوي الذي له تأثيرات على الجلد أو إضافة الملح لمسحوق الغسالات والتي تؤدي إلى ترسبات في الغسالة وتراكم الأعطال بها مع مرور الزمن، لذلك نجد أن حجم الكيلو من مسحوق الغسيل الفرط قليل، بعكس النوعية ذات المادة الفعالة، والتي يكون حجمها كبيراً ووزنها قليلاً، ناهيك عن الصبغات والعطور التي يضيفونها لإغراء المواطن بشرائها، كما أن الزيت الداخل في عملية تصنيع الصابون مجهول المصدر، إلا أن القدرة الشرائية “التعبانة” للمواطنين هي من وجّهتهم إلى شراء هذه الأصناف.

اقتصاد ظل
كما اعتبر حبزة أن هذا النوع من الورشات “المخفية” يندرج تحت اقتصاد الظل الذي لا يخضع لرقابة، إلّا أنه في حال تمّ تنظيمه من قبل الدولة، من خلال إيجاد ورشات نظامية وتقديم مواد أولية وإشراف على الإنتاج، سيساهم بتأمين فرص عمل من جهة وإضافة دخل للدولة من جهة أخرى، من خلال فرض الرسوم، خاصّة وأن اقتصاد الظل له قيمة كبيرة ويشكل أكثر من 50% من الدخل القومي، لكن للأسف الحكومة إلى اليوم لم تستفد منه، كما أن الورشات تحاول التخفي للهروب من الضرائب في ظلّ ارتفاع الضرائب الحكومية على المعامل والمصانع والتجار، لافتاً إلى ضرورة وجود رقابة على هذه الورشات ووضع بطاقة تعريف وبيان للمنتج توضح الفعالية والصلاحية التي يمكن اعتمادها من دوريات حماية المستهلك.