مكمن السر..!
معن الغادري
يكثرُ الحديث عن تزايد عدد طلبات الاستقالة من العمل الوظيفي، بحثاً عن عمل آخر وبأجر أعلى يساعد على التخفيف من المعاناة المعيشية، جراء تدني مستوى الرواتب والأجور، وما يشهده اقتصادنا من واقع صعب ومتأزم.
ولا شكّ أن هذه الهجرة الجماعية للخبرات والكفاءات أضعفت منظومة العمل المؤسساتي، والتي هي أصلاً تعاني من ترهل كبير، لأسباب كثيرة تتعلّق بالفساد الإداري والمالي وسوء الإدارة وارتجالية التخطيط وعدم إدارة الوقت بالشكل الأمثل، والذي يشكّل أحد أهم عناصر نجاح العمل في حال تمّ استثماره وتوظيفه في خدمة العمل الجماعي وليس في منفعة العمل الفردي، كما هو الحال في معظم مؤسّسات العمل الخدمي، والتي هي على تماس مباشر مع المواطن، وهو ما يحفزهم أكثر على التمسّك بعملهم الوظيفي، على الرغم من ضعف الراتب الشهري والذي لا يتعدى المائة ألف ليرة، وهو بطبيعة الحال، وفي ضوء موجة الغلاء المستعرة، لا يكفي لسدّ احتياجات الأسرة لأكثر من يومين على الأكثر، فكيف لهذا الموظف أن يتدبر أموره طيلة أيام الشهر.
هذا السؤال وجدنا إجابته، دون أي عناء، في عدد كبير من مفاصل العمل في المؤسّسات والمديريات الخدمية بحلب، وهي بالتأكيد مثل غيرها من المحافظات، إذ لا بد لك من إنجاز أي معاملة أو الحصول على أي توقيع أو خاتم، أن تدفع “المعلوم”، و”بالتي هي أحسن”، و”على عينك يا تاجر”، وهو أمر ليس خافياً على الإدارات المتسلسلة صعوداً، وهنا الطامة الكبرى.
خلاصة القول: هناك من يرغب بالاستقالة لتحسين وضعه المعيشي، وفي المقابل هناك من يحلو له العمل الوظيفي ولن يتخلّى عنه تحت أي ظرف، حتى ولو حجبت عنه راتبه الشهري. وهنا يكمن سرّ هذه المعادلة، على الرغم من وضوح رموزها وشيفرتها، وبالتالي نجد أن قرار عدد من الوزارات برفض الاستقالات وتحديد شروط تعجيزية لقبولها ليس منطقياً ومخرجاً لهذه المعضلة، وإنما الحلّ سيكون أكثر منطقياً وقبولاً عندما تفي الحكومة بوعدها وترفع مستوى الرواتب والأجور، وبما يحقق التوازن المطلوب بين الدخل والمصروف، وبالأهمية ذاتها لا بدّ لها من ضرب مواقع الفساد بيد من حديد للحفاظ على هيبة وسمعة منظومة العمل المؤسساتي، فهل تفعل؟.