انضمام العرب إلى بريكس رسائل سياسة واقتصادية إلى الغرب
البعث الأسبوعية- د.معن منيف سليمان
تتسابق الحكومات العربية إلى دخول تكتلات تقيها مخاطر الأزمة الاقتصادية، وانعكاسات تقلبات الأسواق الخارجية. وتعد دول “بريكس” أكثر مجموعة اتجه إليها العرب بعد بداية الحرب الروسية – الأوكرانية في شهر شباط 2022، إذ أودعت الجزائر والسعودية ومصر طلباتٍ رسمية للعضوية، وأبدت تونس والبحرين رغبتهما في ذلك، كما أكّدت الإمارات العربية المتحدة علاقتها الممتازة بالتجمّع.
كانت التحالفات الاقتصادية، أحدَ الحلول التي اختارتها الدّول لمجابهة مخاطر مرحلة ما بعد كورونا، وتواصل الحرب الروسية – الأوكرانية، فالاقتصاد العالمي الذي كان يمرّ بالعديد من المشكلات عام 2018، زاده وباء كورونا بداية من عام 2019 سوءاً، وما إن بدأت الجائحة تختفي، وسلاسل الإنتاج تعود إلى طبيعتها حتى اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية 24 شباط 2022، التي شلّتْ الاقتصاد العالمي للمرة الثانية على التوالي في ظرف قياسي، باستخدام العديد من الأسلحة الاقتصادية.
إن ارتفاع أسعار القمح والذرة البيضاء والصفراء والأسمدة وكذا تكلفة الطاقة خاصة الغاز والنفط، كانت أحد انعكاسات هذه الحرب، كل ذلك يجُرّ دول العالم اليوم إلى التفكير في التكتل للتعاون في مجابهة المخاطر.
وتوجّهت أنظار عدد من الدول العربية، منذ سنة 2022 إلى مجموعة “بريكس”، وتتسابق خلال هذا العام 2023، للانضمام إلى “بريكس” كنتيجة لانعكاسات الحرب الروسية – الأوكرانية، وبحثاً عن الخروج عن السيطرة الاقتصادية الغربية التي تُمثّلها الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي، إذ يتوقع خبراء، تأشيرة رسمية لالتحاق دول عربية بهذه المجموعة قريباً.
تملك الدول العربية أكثر من 25 بالمئة من احتياطي النفط، وكمية كبيرة من الغاز الطبيعي، إضافة إلى أراض شاسعة مهيئة للاستفادة بشكل كبير من الطاقة الشمسية النظيفة في المستقبل وبشكل كبير جداً، يجعل وجودها في هذا التجمع قيمة مضافة كبيرة وعنصراً من عناصر القوة التي يحتاجها هذا التجمع.
كما إن السوق الاستهلاكية التي تمتلكها هذه الدول، وقدرتها الشرائية يجعل منها محط أنظار كل التجمعات الاقتصادية. ويرى خبراء أن الدول العربية تقدم الكثير من المغريات الاقتصادية لهذا التجمع، كما يمكنها الاستفادة لتحصين نفسها اقتصادياً وسياسياً، مقابل أي عنصر يمكن أن يهدّد أمنها واقتصادها مستقبلاً.
وفضلاً عن ذلك، إن انضمام العرب بمثابة الباب لفتح التعاون على مصراعيه بين كل الدول العربية، ويمكنهم أن يعيدوا التفكير الجدي بالسوق العربية المشتركة، أو بالحد الأدنى التفكير في اتحادات على شاكلة مجلس التعاون الخليجي، في الشرق الأوسط، لأننا اليوم نعيش حالة إما الاتحاد بين الدول والأسواق، وإما حالة الاندثار والتشظّي، إذ أن زيادة معدلات النمو يعني المزيد من الاستثمار الذي يحتاج للأمن والاستقرار الضروريان لأي رأس مال في أية منطقة.
والدول العربية لديها مشكلة في توفير احتياجاتها الزراعية بشكل كامل، ما يجعلها تعتمد على توفير الأمن الغذائي الخاص بها من خلال الاعتماد على الاستيراد. وحسب تقديرات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2022، فقد بلغت قيمة الفجوة الغذائية العربية 44.1 مليار دولار، وقد يكون من المناسب أن تخطط الدول العربية للإفادة من الثروة الزراعية في دول الـ”بريكس”، لتطوير قطاع الزراعة، وكذلك وجود استثمارات مشتركة في قطاع الزراعة، بما يؤدّي إلى سدّ الفجوة في المنتجات الزراعية والغذائية بالمنطقة العربية.
وفي حالة نجاح تحقيق هذا الهدف، فسيكون العائد منه إيجابياً على المواطن بالدول العربية، لمواجهة الأزمات المتكرّرة في أسواق الغذاء، وكذلك مواجهة موجات التضخم الناتج عن التضخم المستورد، بسبب الاعتماد بشكل كبير بالدول العربية على استيراد الغذاء.
ويضم تجمع “بريكس” ثلاث دول صناعية صاعدة، وهي (الصين، والهند، والبرازيل)، ويمكن للدول العربية أن تغيّر طبيعة تعاملاتها مع تلك الدول، بحيث يكون نقل التكنولوجيا وتوطينها من هذه الدول للدول العربية، واجب المرحلة خلال السنوات القادمة، ويكون ذلك بشكل كبير من خلال استثمارات مشتركة، أو بعثات تعليمية مستهدفة للمجالات الصناعية، أو الزراعة، التي تعاني فيها المنطقة العربية من مشكلات كبيرة.
إن الانضمام إلى “بريكس” هو انضمام إلى مجموعة تريد خلق نظام موازٍ للنظام الذي يُسيطر عليه الغرب بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها الاستراتيجيين الأوروبيين واليابان وأستراليا، بالتالي هو الحديث عن مرحلة جديدة في العلاقات الدولية، إذ أن العالم يعيش مرحلة مخاض حقيقية تسعى إلى إعادة هندسة العلاقات الدولية، وسوف يشهد في المرحلة المقبلة صعود عديد من الدول وهبوط أخرى، وبخاصة انحسار بعض القوى الدولية على غرار الولايات المتحدة، وإعادة ترتيب القوى الأوروبية على مستويات عدّة وعلى رأسها المستوى الاقتصادي.
وبالتالي فإن انضمام الدول العربية لـ”بريكس”، يعزز من التكتل، ويحقق استفادة كبرى لها ولدول المنطقة، كما يسهم في إعادة التوازن للاقتصاد العالمي الذي تضرّر بسبب سيطرة الغرب لعقود.
وتصدّر هذه الدول ملايين من براميل النفط إلى الغرب كل عام لتسوية المعاملات بالدولار الأمريكي، فإذا ما طلبت تسوية مدفوعات النفط والغاز بعملة الـ”بريكس” المقترحة، فقد يتضرّر الدولار الأمريكي واليورو والجنيه الإسترليني. ويمكن لهذه الخطوة أن ترسل الاقتصادات الغربية المتقدمة إلى حالة من الارتباك، وتعيد ترتيب النظام الجيوسياسي العالمي. ولهذا يحمل انضمام الدول العربية إلى “بريكس” رسائل إلى الغرب بأنها لا ترغب بالارتباط فقط بعملات غير مستقرّة، وسياسة اقتصادية متذبذبة.
وبخُصوص إمكانية تقاطع انضمام دول عربية إلى “بريكس” مع ملف التكامل العربي، فيؤكد خبراء أنهما ليستا قضيتين مُتضادّتين، إذا قُبلت إحداهما تذهب الأخرى، فعلى المدى القريب يُمكن التعاون مع “بريكس”، وعلى المدى الأطول سيكون التكامل العربي أهمّ، فهذه الوحدة ستُمكّن الدول العربية من التفاوض مجتمعة داخل “بريكس”، ومنظمات أخرى كالاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وغيرها من الكتل والهيئات العالمية، بوزن أثقل، وأوراق رابحة أكبر، إذا تحوّلت مواقف الدول العربية إلى كلمة رجلٍ واحدٍ يعرف أولويّاته.
ولكن إذا كانت المساعي لكل دولة على حدة، ستكون المزايا التي تتحقق للدول العربية من انضمامها لـ”بريكس”، شديدة المحدودية، وستكون الاقتصادات العربية، مجرّد أسواق لترويج وتوزيع المنتجات الخاصة لدول “بريكس”.