بناء المنتخبات الوطنية حلقة مفقودة بين الأندية واتحاد كرة القدم.. الافكار المكررة لم تحقق النتائج والتطوير يبدأ من التخطيط السليم
البعث الأسبوعية-ناصر النجار
يكثر اليوم الحديث عن المنتخبات الوطنية لكرة القدم وفشلها في كل مشاركاتها سواء في المباريات الودية أو البطولات الرسمية التي تشارك بها مهما كان حجمها ومستواها لدرجة أننا اقتنعنا بالقول: (يكفينا شرف المشاركة).
وهذا القول لا يتوافق مطلقاً مع حجم الكرة السورية كتاريخ وعراقة ونجوم لهم اسمهم على الساحتين العربية والآسيوية ومواهب كثيرة مازالت مدفونة تحت أنقاض كرتنا وتخبطاتها.
المنظرون اليوم كثر وكل واحد من هؤلاء له مشكلة مع اتحاد كرة القدم يصفي حساباته عن طريق التحليل والتركيب والنقد اللاذع والهجوم غير المبرر، وبعضهم الآخر تدفعه مصالحه الشخصية للتشهير باتحاد الكرة أو بالمدربين، وسماسرة اللاعبين سواء المحليين أو المحترفين يوجهون البوصلة نحو لاعبين يسوّقونهم ويحصلون من خلالهم على الفائدة والمنفعة الشخصية، ومثلهم من له مصلحة مع مدرب وطني معين هنا وهناك فنجد بعض منصات التواصل الاجتماعي أو بعض البرامج الرياضية الرسمية تسوّق لهؤلاء من خلال الطعن ببقية المدربين للأسف.
كل هذه المحاولات غير مجدية وغير عقلانية وغير صالحة للتداول لأنها غير صادقة ما دامت تهتم بالجانب الفردي بناء على الأهواء الشخصية وبعيداً عن أي حل ينطلق وفق رؤية كروية يؤسسها العلم والمنطق، لذلك فإن الهجوم العنيف الذي يتعرض له اتحاد كرة القدم من جبهات متعددة لن يكون له أي تأثير لأنه من الصعب إرضاء الأهواء كلها والمصالح الفردية وما أكثرها، واتحاد الكرة لا ينطلق في عمله من مبدأ (ما يطلبه الجمهور).
هناك خطة وبرنامج يسير عليه اتحاد اللعبة، قد يخطئ وقد يصيب والاتحاد بكل أعضائه ولجانه ليسوا منزهين عن الخطأ، لذلك كنا نتمنى أن يصب النقد في باب المصلحة العامة وأن يكون نقداً ايجابياً احترافياً يضع يده على الداء ويصف الدواء.
نقطة البداية
المنتخبات الوطنية رغم أن مسؤوليتها المباشرة في خانة اتحاد كرة القدم إلا أن المسؤولية الأساسية يجب أن تتحملها الأندية، وكما ما هو معروف فإن الدوري القوي يفرز منتخباً قوياً والدوري الضعيف يفرز منتخباً ضعيفاً ولا تتأملوا منه الخير.
لذلك فإن المنتخب هو حصيلة عمل الأندية ولأن عمل الأندية في كرة القدم غير صحيح بالمطلق فإن النتائج لن تكون سارة في المنتخبات الوطنية، ولهذا أسباب عديدة وكثيرة نورد أهمها لنضع النقاط على الحروف.
فالأندية تعاني من سوء العمل الإداري والتنظيمي وتفتقد إلى روزنامة عمل صحيحة واستراتيجية علمية، وهذا يأتي في المقام الأول بسبب عدم استقرار إدارات الأندية وتبديلها وتغييرها بشكل دائم، لذلك فإن الإدارات إن وضعت خطة عمل لا تتمها وعندما تأتي إدارة جديدة نجد أنها تبدأ من الصفر وتنسف عمل من قبلها، إضافة لذلك فإن العديد من القائمين على الأندية ليس لهم الخبرة الكاملة بالرياضة لأنهم من الداعمين او المحبين أو من رجال الأعمال، ويأتي تعيين هؤلاء من أجل الدعم المالي حتى لا تقع الأندية بالعجز، والتجربة هذه أثبتت أن الأندية ما زالت تعاني من العجز المالي حتى الآن فلم يستطع الداعمون سد العجز وبالمقابل لم يستطيعوا وقف التدهور الرياضي والكروي.
غياب الاستراتيجية
ضعف الاستقرار الإداري وسوء العمل وضعف الإدارة وغياب التخطيط أسفر عن غياب استراتيجية العمل، موضوع العملية الفنية في الأندية هي الأساس لأنها أصل كرة القدم وأصل تطورها، وعندما يكون العمل الفني في أسوأ حالاته لا يمكننا أن نتأمل من كرة القدم خيراً سواء على صعيد الأندية أو المنتخبات.
في هذه النقطة بالذات لا نجد أي نادٍ يملك استراتيجية عمل في كرة القدم، ولا يملك أهدافاً حقيقية، فكل الأندية تبحث إما عن البطولة أو عن الهروب من الهبوط والاستراتيجية الوحيدة التي تتبعها لتحقيق ذلك هي شراء اللاعبين، وهذه آفة كرة القدم لأن البحث عن بطولات معلبة ومسبقة الصنع لا يصب في مصلحة كرة النادي، مثال ذلك نادي الفتوة وقد فاز ببطولة الدوري واحتاج ليحقق ذلك عشرين لاعباً وثلاثة مليارات ليرة، لكن في عملية بناء الكرة في نادي الفتوة لا نجد شيئاً ملموساً للمستقبل، فلم يكن بين المحترفين العشرين أي لاعب ينتمي للنادي وكلهم جاؤوا من كل حدب وصوب، لذلك لسنا متفائلين بمستقبل كرة الفتوة لأن النادي اجتهد لموسم واحد، وإذا أراد الاستمرار بالبطولات فعليه أن يسلك الطريق ذاته وأن يدفع المال نفسه وربما أكثر بكثير.
هذا المشهد موجود بالعديد من الأندية وإن كان بنسب مختلفة، لكن في الحقيقة لا أحد يحترم كرة القدم ما دامت نظرتهم مقتصرة على فريق الرجال وحده وما يحقق من أداء ونتائج، وفي نظرة عامة نجد أن الدوري الكروي بلغ سن العجز بعد أن تجاوز سن الشيخوخة فأغلب لاعبي النخبة تجاوزوا الثلاثين ومعدل أعمار لاعبي كل الأندية مرتفع عن الحد الطبيعي، لذلك إن لم تبادر الأندية بدعم الفئات العمرية فلن تقوم لكرتنا بعد اليوم قائمة وسنندم مستقبلاً على الدوري الذي نصفه بالدوري الضعيف هذه الأيام.
أفكار جديدة
بضعة أفكار في هذا الاتجاه نستعرضها وقد طرحها المدرب الهولندي مارك فوته بعد إقالته من تدريب المنتخب الأولمبي ونجدها تصف الواقع بشكل صحيح، في البداية قال: علينا ألا ننظر دائماً للفوز، الفوز مطلب الجميع لكن البناء أهم بكثير من مباراة نخسر فيها ونخسر معها كل شيء، عندما تبني فريقاً للمستقبل عليك أن تضع الخسارة ضمن فكرك لأنها واردة في كرة القدم، لا يوجد فريق في العالم لا يخسر لأن القرار والمنهج المبني على النتائج قرار غير سليم.
لذلك تطوير المنتخب يبدأ بزج اللاعبين في الدوري، الأندية في سورية لم تكن تهتم بلاعبي المنتخب الأولمبي فلم يشتركوا مع فرقهم كأساسيين ولعبوا بضعة دقائق في الدوري وهذا الأمر يضر باللاعب وبالنادي وبالكرة السورية، في أوروبا نجد في الفرق الكثير من اللاعبين الأساسيين أعمارهم صغيرة قد يكون عشرين عاماً أو أكثر بقليل، وهؤلاء لقوا تدريباً جيداً واثبتوا وجودهم في الملاعب لكن الكرة السورية لا تعطي اللاعب الشاب فرصة ليثبت وجوده وموهبته ولا يوجد أساس لتطوير اللاعب الموهوب.
كلام فوته فيه الكثير من الصحة، وهذا الكلام لمسناه في الأندية تماماً، موضوع النتائج الذي طرحه كان موجوداً بقوة في دوري هذا الموسم وعلى سبيل المثال فإن فريق الوثبة حافظ على سجله بلا خسارة حتى لقاءه مع جبلة، وعندما تعرض للخسارة وكانت هي الأولى له هذا الموسم فرط عقد الفريق وتراجع من المركز الأول حتى الخامس رغم أن الخسارة لم تكن قاضية ولم تفقده آماله بالمنافسة على اللقب، لكن الفكر الإداري البعيد كل البعد عن الاحتراف أفقد الوثبة شخصية البطل وانتزع منه هويته الكروية، والكلام نفسه ينطبق على جبلة الذي كان يمشي خطوات سريعة نحو اللقب وجاءت الخسارة بعدها أمام تشرين لتوقفه وتنهي طموحه وكأن عالم كرة القدم قد انتهى فتراجع من منافس قوي على البطولة إلى ثالث الترتيب، هذا يحدث في الدوري لأن أنديتنا تتطلع إلى النتائج فقط وإلى الفوز ولا تتقبل أي نتيجة أخرى ولا تتجاوز أي عقبة تعترضها بحكمة وعلمية.
الاستقرار الفني
الاستقرار الفني المعدوم سبب آخر مهم لتراجع الكرة السورية، يقول فوته في هذا الأمر: لا يوجد في الأندية احترام للمدرب، الكل يتدخل بعمله، شاهدت أحد مسؤولي الأندية يدخل غرفة ملابس اللاعبين ويكلمهم في المباراة، وهذا أمر خاطئ، الدور في هذا التوقيت وفي هذه الحالة للمدرب فقط ولا يجب أن يتدخل أحد مع الفريق واللاعبين إلا المدربين ويضيف: للأسف كل الأندية بدلت مدربيها لأسباب النتائج وهذا المفهوم خاطئ وغير سليم، لأنه يهدم كل تطور وبناء!
في الأرقام فإن أندية الدرجة الممتازة وعددها أحد عشر فريقاً بدلت مدربيها أكثر من مرة في الموسم الواحد، وبلغ عدد المدربين المبدلين أكثر من ثلاثين مدرباً أقلهم أندية الوثبة وجبلة والفتوة وأهلي حلب فقد بدلوا مدربين اثنين فقط، أما باقي الأندية فقد بدلت أكثر من ثلاثة أو أربعة مدربين في عشرين مباراة كالوحدة مثلاً الذي بدل خمسة مدربين وتشرين وحطين المجد والجيش أربعة مدربين وباقي الأندية ثلاثة مدربين كالكرامة والطليعة.
هذه التبديلات في أغلبها كانت بسبب النتائج، وكما يقال ليس من الضروري أن تكون النتائج سببها المدرب فعندما تسوء النتائج فهناك أسباب كثيرة أدت إلى ذلك، لكن ننظر إلى الموضوع من باب آخر، إن عدم الصبر على المدرب هو آفة كرة القدم، فالإدارة بالأصل عليها انتقاء مدرب يناسبها وتثق به ليستمر مع الفريق موسمين على الأقل ليعطي ما عنده ومن حق الأندية أن تقيم مدربها بعد نهاية الموسم وأن تناقشه في النتائج والأداء وكل شيء يتعلق بالفريق، وهذا أضعف الإيمان.
تغيير المدربين لا يجدي نفعاً ودوماً لا يحقق النتيجة المرجوة لأن الفكر الذي يأتي به المدرب قد يكون مختلفاً جذرياً عن السابق وبالتالي فإن التغيير ليس حلاً، فالمجد على سبيل المثال عندما غير مدربيه هبط ولم يستطع النجاة من هذا المصير، وجبلة ومثله أهلي حلب عندما غيرا مدربيهما مطلع الإياب لم يستطع المدربان الجديدان إيصال الناديين إلى اللقب، والوحدة لم يستطع كل المدربون الذين تعاقبوا على تدريب الفريق رفع مستوى الأداء أو تحقيق النتائج المرضية للجمهور، لذلك فإن تغيير المدربين أهم علة تعاني منها أنديتنا وهي بالتالي تنعكس سلباً على فرق الدوري واللاعبين من حيث البناء والتطوير لأن الفريق في هذه الحالة يفتقد للاستقرار الفني.
موقف الاتحاد
اتحاد كرة القدم يجب أن يجد حداً لكل التجاوزات السابقة وذلك عن طريق سن العديد من القوانين والتشريعات التي تلزم الأندية بالسير الصحيح في كرة القدم، ويمكننا القول أنه بإمكان اتحاد كرة القدم أن يمنع الأندية من التعاقد مع لاعبين كبار السن من خلال قرار يمنع بموجبه أي نادٍ من التعاقد مع أكثر من ثلاثة لاعبين تجاوزوا سن الثلاثين، وهذا بالطبع يجعل الأندية تبحث بالمقابل عن لاعبين أقل سناً، القرار التالي يجب أن يمنع الأندية من التعاقد مع أكثر من خمسة أو ستة لاعبين على الأكثر من خارج النادي على أن يكون الأجانب من ضمنهم، ودعم قطاع لاعبي المنتخب الأولمبي أو الذين في سنهم ليأخذوا فرصتهم بشكل جدي وجيد مع فرق الرجال، هذه القوانين مع مشاريع اتحاد كرة القدم بمشروع التطوير الخاص بفئتي تحت 16 سنة وتحت 14 سنة يمكن أن يحيي الكرة السورية من جديد وأن تكون قادرة على تجديد شبابها واستعادة قوتها.