مجلة البعث الأسبوعية

تسهيلات لعودة اللاجئين السوريين من لبنان.. هل نشهد عودة آخر لاجئ قريباً؟

البعث الأسبوعية – مادلين جليس

“السنوات السبع التي قضيتها في لبنان نازحاً لم تستطع أن تمحو من قلبي الذكريات التي تركتها خلفي حينما نزحت من بلدي عام 2012، ولم أكن أتوقع أن تكون الأمور بهذه السهولة واليسر، خاصة أنني استطعت نقل أغراضي من لبنان إلى سورية وتحديداً إلى منطقتي “القصير”.

هذا ما قاله أمين مرعي  لـ “البعث” واصفاً ظروف عودته من لبنان بعد نزوحه عن وطنه بسبب ظروف الحرب التي أرغمته كما أرغمت الكثيرين على النزوح خارج سورية.

مساعدات..

يتحدث مرعي عن منزله بعد عودته الميسرة إليه واصفاً إياه بـ “الخرابة” فالمنزل المهجور لسنوات طويلة يحتاج إعادة تأهيل وترميم مكلفين، كما أنه أصبح خالٍ من كل مقومات العيش، لكن المساعدات التي تلقاها من الجمعيات الأهلية ومن المنظمات مكنته من العيش مجدداً في منطقته، ومن البدء بعمل جديد يوفر من خلاله لقمة العيش لعائلته التي جاءت معه من لبنان.

يضيف مرعي: عند وصولي مع عائلتي المكونة من خمسة أشخاص للأراضي السورية كانت الجهات السورية المختصة بانتظارهم، والتي ساعدتنا بإنجاز أوراقنا بكل يسر وسهولة.

ليست فقط عائلة مرعي، بل مئات وآلاف الأسر السورية عادت من لبنان منذ بدء تنفيذ خطة العودة الطوعية، وبحسب تصريحات الأمن العام اللبناني فقد وصل عدد اللاجئين السوريين العائدين إلى 540 ألف حتى العام 2022، من أصل مليونين و80 ألف لاجئ سوري في لبنان.

دور المجتمع المحلي

كان واضحاً أن دور المجتمع المجلي أكبر من المتوقع، لأن المساعدات التي تلقاها العائدون السوريون من لبنان كانت متنوعة، ويمكننا أن نقول أنها كان مقسمة بين الجهات، دون اتفاق مسبق بينها، فالمساعدات المادية والمعنوية التي تلقاها العائدون، لم تقف عند حد التدريب والتأهيل، بل امتدت لتشمل جميع نواحي الحياة، بدءاً بالصحة وليس انتهاءً بالمشاريع الصغيرة.

فمنزل أمين مرعي أصبح قابلاً للعيش بعد تقديم الفرش قبل إحدى الجمعيات العاملة في المجال الإنساني، ولديه مكتبة، تؤمن قوت يومه ويوم عائلته، وتقيه شر الحاجة.

ومثله كثيرون استطاعوا العودة لمنازلهم، بعد مد يد العون من المجتمع المدني الذي استطاع أن يكون شريكاً فاعلاً في تسهيل استقرار العائدين.

للعائدين الحصة الأكبر

وحول البرامج والمشاريع التي استهدفت العائدين بشكل خاص، تتحدث الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية عن الدعم المقدم لهم، والذي يشمل قطاعات كثيرة، منها التعليم، وإعادة تأهيل المنازل أو المدارس، وقطاع سبل العيش الذي يتضمن منح مشاريع  صغيرة ومنح حقائب زراعية ورعوية، إضافة إلى قطاع الزراعة، والمشاريع الصغيرة، وقطاع الصحة، وأيضاً مشاريع خاصة بذوي الإعاقة من العائدين.

ومن خلال برنامجها الجديد “فرصة” تستهدف الجمعية الأطفال “العائدين” المتسربين من المدارس بغرض العمالة، الذي بدأ حالياً في أربع محافظات سورية “حماه وطرطوس وحلب ودمشق”، و يهدف لافتتاح المدارس خارج أوقات الدوام وفي أيام العطلة “الجمعة والسبت”، وتصف نحيلي البرنامج بالناجح جداً والداعم للطالب ولأهله خاصة إذا كان معيلاً لهم.

وقد شهد البرنامج تعاوناً كبيراً من قبل مديريات التربية، إضافة إلى تسجيل عدد من الطلاب في البرنامج وصل إلى 250 طالباً.

مشاريع متنوعة

و قد بلغ عدد منح المشاريع الصغيرة 465 مشروعاً تنوعت بين التجارية والإنتاجية والزراعية والرعوية، ومن ضمن هذه المشاريع يوجد 96 شخصاً استفادوا من منح المشاريع الصغيرة لذوي الاحتياجات الخاصة وأصبحوا منتجين في مجتمعهم.

ووصل عدد منح الحقائب الزراعية  3013 منحة، إضافة إلى تدريبات مهنية استهدفت 2936 شخصاً تم تدريبهم على الصناعات الغذائية وصناعة المنظفات وغيرها.

وبحسب مديرة البرامج فإن المحور الاقتصادي والمنح التي تقدم للعائدين لا تعتمد على تقديم فرصة عمل لهم، بل على تمكينهم وتأهيلهم للخوض في سوق العمل بقوة ومن ثم متابعة المشروع بعدها لمدة سنة بهدف دراسة أثره على الأسرة والفرد.

عودة مشجعة            

وبظروف ممائلة عاد محمد عبد الكريم معروف إلى سورية منذ حوالي العامين، بعد ثماني سنوات قضاها في لبنان، انتهت في مطلع عام 2020 عند سماعه ممن سبقوه في العودة أن الأوضاع في سورية باتت أفضل، وأصبح بإمكانه تحقيق حلم الرجوع إلى أرض الوطن.

لم يعد معروف إلى مهنته التي كان يمارسها قبل النزوح ، بل تدرب في أحد البرامج، وأصبح الآن عاملاً على ماكينة “سيف جلي” يراها أنها تستطيع إعالته وعائلته أكثر من مهنة الخياطة التي كانت رزقه الوحيد فيما سبق.

لكن العون الأكبر كما يراه معروف هو تسجيل أبنائه في المدارس الحكومية، وعودتهم إلى التعليم مع أقرانهم بدون عوائق أو صعوبات.

تعاون مكثف

التعاون كان مكثفاً بين الجمعيات والدولة السورية، الأمر الذي أنتج سرعة إنجاز في استكمال الأوراق والمعاملات الخاصة بتسجيل الأطفال في النفوس السورية، ومن ثم ضمّهم للمدارس، إضافة إلى تسوية أوضاع العائلات التي كان زواجها مسجلاً في السجلات اللبنانية فقط.

وبحسب فاطمة شحادة منسقة مركز القصير في الجمعية فقد بدأ النازحون السوريون العودة عبر معبري الدبوسية وجسر القمار في عام 2019، الذي شهد عودة نحو 200 عائلة، واستمرت العودة في الأعوام التالية، ففي عام 2020 عادت حوالي 120 عائلة، وفي عام 2021  وصل عدد العائلات العائدة إلى 100 عائلة، وتراجع في في عام 2022 حيث وصل إلى 50 عائلة سورية.

وكانت الحدود اللبنانية قد شهدت عودة أولى دفعات اللاجئين السوريين في شهري تشرين الأول من العام الجاري، كاستئناف لتنفيذ خطة العودة الطوعية التي بدأت عام 2017، وتوقفت خلال عام 2020 بسبب تفشي وباء كورونا.

تسهيلات حكومية

أما على المستوى الحكومي، فالتسهيلات كانت محفّزة للاجئين لإعادة إقامة مستدامة في وطنهم ومنازلهم، فبحسب ما أوضحت وزارة الإدارة المحلية لـ “البعث” أن هناك جهود كبيرة تبذل لتأمين مستلزمات العودة في المناطق التي حررها الجيش العربي السوري وإعادة المؤسسات والخدمات وتأهيل البنى التحتية وتامين فرص العمل وكافة احتياجات المواطنين وتنفيذ العمليات الإنسانية وتقديم المساعدة الطبية للسكان وإزالة الألغام، إضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية للمهجرين وإعادة الخدمات الأساسية للمناطق التي يحررها الجيش العربي السوري من الإرهاب،  من خلال تأمين مراكز إيواء لحين تأهيل المنازل المتضررة جزئياً بالتعاون مع المنظمات الدولية وفق التمويل المتاح وحسب الاحتياجات الواردة من قبل المحافظات بالإضافة للمنازل التي يتم ترميمها من قبل أصحابها وتامين المستلزمات الصحية والغذائية والخدمية لهم من تأهيل مدارس ومشافي، مما أدى إلى عودة ما يقارب /5/ مليون مهجر إلى منازلهم حتى نهاية العام 2022، كما انخفض عدد مراكز الإيواء نتيجة لذلك من 532 مركز عام 2014 إلى 55 مركز إيواء في عام 2022، وحيث أن عدد المنازل المتضررة جزئياً التي تم تأهيلها حتى تاريخه لعام 2022 هو /4130/منزل متضرر موزعة في كافة المحافظات حسب الاحتياج، كما تم تنفيذ مشروع إنارة الشوارع بالطاقة الشمسية الذي استهدف كافة المحافظات (حيث تم توريد أكثر من 10735 جهاز إنارة من قبل مفوضية شؤون اللاجئين) لعامي 2021-2022.

ولا يتوقف الأمر عند تأهيل مراكز الإيواء أو حتى تقديم التسهيلات، بل وصل إلى تشجيع اللاجئين العائدين على إقامة مشاريع صغيرة ومتوسطة من خلال القانون رقم /8/ والصادر عام 2021 الذي يسمح بتأسيس “مصارف التمويل الأصغر” بهدف تأمين التمويل اللازم لمشاريع شريحة صغار المُنتجين وأصحاب الأعمال الصغيرة ومحدودي ومعدومي الدخل عبر منحهم قروضاً، إضافة إلى التعاميم التي أصدرتها وزارة الداخلية بهدف تسوية أوضاع العائدين ومنها استصدار وثائق شخصية (إخراج قيد وبيان عائلي) من المركز الحدودي بالنسبة لفاقدي وثائق سفرهم خارج القطر، وتسهيل دخول الأطفال المولودين خارج القطر برفقة ذويهم (الأب – الأم) بموجب شهادة ميلاد مصدقة من البلد المقيمين فيه.

أما السوريين العائدين للقطر ممن لا يحملون وثيقة تثبت جنسيتهم فيتم التحقق من مواطنتهم من خلال قاعدة بيانات الأحوال المدنية وإدارة الهجرة والجوازات أو من خلال التعرف عليهم من ذويهم أو الشهود بعد إحضار وثيقة تعريف من قبل مختار محلة السكن.