الآسيويون وعواقب الـ “رباعية الجديدة”
ترجمة: عناية ناصر
تم تكثيف التعاون العسكري بين الفلبين والولايات المتحدة مؤخراً، وتزداد المناقشات حول إمكانية أن يصبح تجمع الولايات المتحدة واليابان واستراليا والفلبين “الرباعي الجديد”، فهل سيكون هذا التجمع نقطة انطلاق لتوسيع التعاون العسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ؟.
إن الإجابة عن هذا التساؤل مثيرة للاهتمام للغاية، وبإلقاء نظرة إلى الوراء، تواجه الفلبين أمرين جيوسياسيين مقلقين:
الأول، هو اتفاقية “التعاون الدفاعي المعزز” مع الولايات المتحدة والتي تشمل بناء أربعة مواقع جديدة وفقاً لـ اتفاقية “التعاون الدفاعي المعزز مع الولايات المتحدة”، أي قواعد عسكرية أمريكية، حيث أن ثلاثة من هذه المواقع قريبة وتواجه مضيق تايوان، بينما الأخيرة قريبة وبمواجهة بحر الصين الجنوبي.
الثاني، يتعلق بزيارة رئيس الفلبيني، فريناند ماركوس جونيور، لليابان في الفترة من 8 إلى 12 شباط من هذا العام، حيث أدت هذه الزيارة إلى زيادة تعزيز العلاقات العسكرية والدفاعية والأمنية بين الفلبين واليابان، فضلاً عن إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع البلدين.
تجدر الإشارة إلى أنه تم الحديث عن أن طوكيو ومانيلا في المراحل الأولى من المناقشات بشأن اتفاقية دفاع ثلاثية محتملة بين الولايات المتحدة واليابان والفلبين، حيث سيسمح هذا الاتفاق بنشر القوات على الأراضي الفلبينية للتدريب والعمليات الأخرى، بالإضافة إلى ذلك تستكشف طوكيو ومانيلا إمكانية إبرام اتفاقية ” القوات الزائرة” بحجة الأمن البحري.
بالإضافة إلى اتفاقية ” التعاون الدفاعي المعزز” مع الولايات المتحدة، هناك أيضاً اتفاقية “القوات الزائرة” بين الفلبين و الولايات المتحدة، والمعاهدة الأم، معاهدة “الدفاع المتبادل” بين الفلبين والولايات المتحدة، التي تمت في ظل رئاسة ماركوس جونيور.
وبأخذ هذه الظروف الجيوسياسية في الاعتبار، وحقيقة أن استراليا واليابان والفلبين هم حلفاء عسكريون ودفاعيون للولايات المتحدة، فليس من المستبعد أن يكون تشكيل التحالف العسكري بين الولايات المتحدة واليابان واستراليا والفلبين بمثابة نقطة انطلاق لتوسيع التعاون العسكري الأمريكي وتفعيله في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ومع ذلك فإن تشكيل ما يسمى بـ” الرباعية الجديدة” الذي رعته الولايات المتحدة أثناء دفعها وتطبيقها لسياستها الخارجية “التوجه نحو أسيا” هو بلا شك إظهار النزوع نحو إدارة مسرح كتلة المواجهة كامتداد لعقلية الحرب الباردة الموجهة ضد الصين.
ومن ثم، فإن هذه الرباعية الجديدة التي لم يتم تضمنين الهند فيها، وحلت محلها الفلبين لا تختلف كثيراً عن الرباعية القديمة، حيث يظل الهدف الأساسي نفسه، وهو احتواء صعود الصين السلمي. وتماماً مثل “الرباعية القديمة”، فإن” الرباعية الجديدة” عبارة عن كتلة تحالف عسكري نظمته الولايات المتحدة كإجراء مضاد لتزايد نفوذ الصين السياسي والاقتصادي والعسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
هذه ” الرباعية الجديدة” مثل “الرباعية القديمة”، و”اتفاق أوكوس”، هي ببساطة مبادرة أضيق تركز على الأمن للولايات المتحدة واليابان واستراليا مع الفلبين كعضو تم اختياره، والهدف منها عزل واحتواء الصين.
ونتيجة لذلك، فإن هذا “الرباعي الجديد” يخاطر بإحداث انقسامات، وحتى مواجهة بين الدول الآسيوية، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى سباق تسلح في المنطقة، مما سيدفع الصين إلى تعزيز قدرات الردع العسكري. كما يحمل تشكيل “رباعية جديدة” خطر نشوب نزاع مسلح في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مما يعرض السلام والاستقرار الإقليميين للخطر.
لذلك يجب على دول مثل الفلبين أن تكون حذرة بشأن الانضمام إلى مثل هذا التجمع أو الكتلة، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة التنافس المتزايد بين الصين والولايات المتحدة في المنطقة.
وبدلاً من ذلك، يجب على دول آسيا والمحيط الهادئ مثل الفلبين إعطاء الأولوية للمصالح المشتركة، وإيجاد حل وسط، والسعي إلى قيمة أكبر في التعاون العملي المربح للجانبين. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الدول في آسيا أن تسعى جاهدة لإقامة توازن قوي مستقر من خلال التعددية والثنائية، مع تجنب الأحادية وتشكيل “مجموعات” أو “تكتلات” أو تجمعات تستهدف دولة معينة، ويجب أن يعملوا من أجل تعزيز الاستقرار والازدهار في آسيا والعالم.
وبالمثل، يجب على الفلبينيين أن يكونوا يقظين وحذرين من إمكانية أن يصبحوا جزءاً من “رباعية جديدة” أو اتفاقية دفاعية وعسكرية رباعية الأطراف بين اليابان والولايات المتحدة واستراليا لعزل الصين واستهدافها، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى كارثة وخلافات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي الرباعية الجديدة” إلى مزيد من عسكرة الفلبين، والتي تجري بالفعل بسبب التنفيذ الكامل لاتفاقية “التعاون الدفاعي المعزز”، وتعزيز الدوريات المشتركة بين الولايات المتحدة والفلبين، ونشر المزيد من القوات الأمريكية، والأصول العسكرية على الأراضي الفلبينية. لذلك يجب على الحكومة الفلبينية أن تدرس هذه المسألة بكل عناية، وأن تتوخى الحيطة والحذر، كما يجب أن يعارض شعب الفلبين قبل فوات الأوان.
إذا تركت هذه المواجهة بين الكتلة دون رادع ودون معارضة، فإن العالم سوف يسقط في مجموعات متضاربة ضد بعضها البعض، مما قد يؤدي إلى صراع عسكري كامل. وبالتالي، يجب على الآسيويين أن يقاوموا العواقب الباهظة والمكلفة جداً لسياسات الكتلة، وعقلية الحرب الباردة، والألعاب الجيوسياسية الخطيرة التي تلعبها القوة العظمى وحلفاءها في آسيا والمحيط الهادئ.