صوت فرنسي آخر يدافع عن سورية
هيفاء علي
ها هي كارولين غالاكتيروس، مؤسسة ورئيسة موقع “جيوبراغما” تقدم رأيها في الحرب على سورية التي استمرت 12 عاماً، وذلك عقب عودتها من دمشق التي زارتها مؤخراً لعدة أيام.
تقول كارولين:” كانت الرحلة القصيرة إلى دمشق مؤثرة جداً لي ولأعضاء جمعية الصداقة الفرنسية – السورية، وكانت مناسبة للعديد من اللقاءات والزيارات، وقد تمكن وفدنا من لقاء الفعاليات المدنية والدينية والمثقفين والدبلوماسيين والعاملين في المجال الإنساني والصحفيين. وما رأيناه وما سمعناه من الأشخاص الذين التقينا بهم، أكد لنا حجم السخط والاستياء لدى الشارع السوري جراء المعاناة الكبيرة من ضيق المعيشة بسبب الحرب، وبسبب تداعيات العقوبات الاقتصادية الغربية الجائرة المفروضة على سورية”.
وأضافت أن هذا الشعب الشجاع تعرض للعذابات منذ 12 عاماً على يد أولئك الذين أقسموا على هزيمته، وهزيمة حكومته الشجاعة منذ نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وليس من أجل “نشر الديمقراطية”، كما زعم المعتدون، بل كانوا يريدون معاقبة سورية، وتقطيع أوصالها، وتسليم مصيرها إلى إرهابيي تنظيم “القاعدة”، التي تراجعت وهزمت على يدي الجيش العربي السوري، ولم يتبق لها سوى جيوب صغيرة في الشمال السوري، أمام كل ذلك نقف عاجزين عن التعبير عن مدى تعاطفنا معه.
وبعد العديد من المغامرات المأساوية التي هددت البلاد بالإبادة حتى صيف 2015، جاء حلفاء سورية، الروس والإيرانيون، لمساعدة ودعم الدولة السورية في محاربة الارهاب العالمي الذي صدره ودعمه أولئك الذين نصّبوا أنفسهم بلا خجل على أنهم “أصدقاء سورية”. قاومت الدولة، وانتصرت حتى لو كان الثمن باهظ جداً من أرواح العسكريين والمدنيين، فيما فر السكان من المناطق التي سيطرت عليها التنظيمات الارهابية، وقصدوا المناطق التي بقيت تحت سيطرة الدولة السورية.
وتضيف أنه من الطبيعي أن تجذبها مثل هذه المقدمة، وتجعلها تتساءل عن التفكير اليميني الفرنسي الذي يلقن دروس المبادئ الأخلاقية وهو عالق في تسوية فكرية وأخلاقية مرعبة مع الرعاة الغربيين لتقطيع أوصال هذا البلد الرائع الذي يشكل مهد حضارتنا.
هذا البلد لا يزال حتى اليوم، بعد 12 عاماً من المقاومة الخارقة، يعبر عن رغبته في العيش، ولكن يبدو أنهم يلاحقونه بجشع مقزز، ويطيلون عذاب شعبه الشجاع والبطل والمحب للحياة، فبدلاً من مساعدة سورية بشكل كبير في جعل السوريين ينسون خيانتنا، وبدلاً من إصلاحها وبدء إعادة إعمارها، بدلاً من تحرير أراضيها من جحافل الإرهابيين التي لا تزال موجودة هناك بانتظار أوامر رعاتها، بدلاً من إنهاء فجوة هذا العار الذي لحق بالإنسانية والثقافة، يعمل المعتدون على تعزيز محور قوانين “قيصر” التي تهدف إلى عزلها، وتجويعها، وإبقاء الاقتصاد السوري في طي النسيان، ويعملون على استنزاف خيراتها وإشعال النار في محاصيلها، وسرقة نفطها على مرأى ومسمع العالم أجمع، فماذا ننتظر، ومتى يتم العلاج من هذا العار؟.
في هذه المعاناة اللامتناهية، يبقى جمال دمشق يأسر القلوب والعقول، ويبقى طابعها المهيب، ودفء السكان هناك، وكنوز سليمة، وفقاعات صغيرة من الحقيقة في ضخامة الأكاذيب والخداع. في جميع حواراتنا، تمكنت من الشعور بالكرامة المحفوظة والسعادة السرية بمعرفة أننا تغلبنا على الأسوأ، التصميم الشيطاني للإرهاب المسعور بدعم من أولئك الذين أرادوا تحطيم سورية القوية المستقرة الغنية جداً.
للأسف هذا الانتصار له طعم مرير، فقد أسفرت الحرب عن نزوح جماعي للاجئين السوريين إلى الخارج الذين تمنع إعادة البناء المعطلة عودتهم، وانتشار القواعد العسكرية غير الشرعية للقوات الأمريكية التي تحمي وتحافظ إلى حد ما على وجود مقاتلي “داعش”.
وكما في حالة أوكرانيا التعيسة، فإن عمق الأخطاء الغربية هو الذي يغذي التصعيد، وعدم قدرتنا على تغيير التروس، والاعتراف حتى بشكل غير رسمي بأخطائنا، هو الذي يقودنا إلى سورية، فعلى الرغم من كل هذه الهجمات وربما بسببها، فإن جمال المدينة القديمة، والقدرة القتالية التي تلمع بلطف في أعين محاورينا، هي دعوات للشجاعة، شجاعة مشبعة بالحزن الشديد. جميع رجال الدين الذين التقيناهم عبّروا عن حزنهم لفقدان ثقل المسيحيين الشرقيين في سورية، والذي منذ بداية الحرب، فأين فرنسا في كل هذه الدراما؟
الألمان والإيطاليون والنمساويون، ناهيك بالطبع عن دول العالم العربي، يفتحون مكاتبهم في دمشق، ويضعون ميزانيات التعاون في المجال الثقافي، بينما لا نزال نحن الفرنسيين غير قادرين على الحصول على أي شيء آخر سوى ” قنصل فرنسا لدى سورية” الذي يرفض أي تعاون لنا مع الدولة السورية.
باختصار، نظل مكفوفين عمداً بينما تغير كل شيء في البيئة الإقليمية لسورية. هذا الموقف خاطئ في الأساس، ويضر بشكل متزايد بمصالح فرنسا، فما الذي نأمله عندما يعلن وزير خارجيتنا الحالي أنه لا يفهم سبب عودة سورية إلى جامعة الدول العربية؟ وماذا يمكن القول أيضاً عندما قيل لنا إن الدولة لم تتلق أي مساعدة رسمية من فرنسا بعد الزلزال الذي ضربها؟
في ظل هذه الظروف، تزداد صعوبة الدفاع عن الموقف الفرنسي. لذلك، من الضروري جداً الحفاظ على قنوات الاتصال والحوار، وأيضاً التواصل مع الشعب السوري لإظهار تعاطفنا ووضوحنا معهم.