أخبارصحيفة البعث

الاقتصاد التركي في ورطة

تقرير إخباري 

تكشف الأرقام عن عمق المشكلة التي يواجهها الاقتصاد التركي، حيث بلغ معدّل التضخّم في الخريف الماضي، أعلى معدل له خلال عقدين من الزمن، بنسبة 85.5 في المائة. وعلى الرغم من انحسارها إلى حدّ ما منذ ذلك الحين، فإن المخططين الاقتصاديين في تركيا يرون إشاراتٍ مقلقة على أن التضخّم يرتفع من جديد. نتيجة لذلك، قام البنك المركزي التركي بمضاعفة أسعار الفائدة تقريباً، ومن المرجّح أن يتبع ذلك ارتفاعاتٌ أخرى، رغم محاولات الحكومة السيطرة على أسعار السلع الأساسية.

ومع ذلك، فإن التضخّم ليس هو المشكلة الوحيدة، فأسعار المساكن في البلاد ترتفع أيضاً، حيث ارتفعت تكاليف العقارات في اسطنبول، وهي مدينة مترامية الأطراف ويقيم فيها نحو 20 في المائة من سكان البلاد، بنسبة كبيرة بلغت 193.9 في المائة بين تشرين الثاني 2021 والخريف الماضي. وفي أنقرة العاصمة، ومقرّ حزب العدالة والتنمية الحاكم، الوضع هو نفسه إلى حدّ كبير، وهذا يعني أن المزيد من الأتراك في المناطق الحضرية يجدون أنه من المستحيل بالنسبة لهم امتلاك العقارات. وفي الوقت نفسه، شهد المستأجرون ارتفاعاً في مدفوعاتهم الشهرية، حيث يستفيد الملاك ممّا أصبح وضعاً مربحاً للغاية.

في غضون ذلك، تتراجع القوة الشرائية، فقد كانت قيمة الليرة التركية قبل ثلاث سنوات فقط نحو 7.5 مقابل الدولار الأمريكي. أما اليوم، فإن سعر الصرف هو 26 إلى واحد، وهو في ارتفاع. وقد جعل هذا تركيا وجهة سياحية جذابة ورخيصة بالنسبة للأجانب، ولكنها مكان مكلف للغاية للأشخاص الذين يعيشون هناك.

يمكن إلقاء قدر كبير من اللوم على هذا الوضع الاقتصادي المتردّي على أردوغان نفسه، حيث كان الرئيس التركي ولسنواتٍ يطرح أفكاراً اقتصادية خيالية، مثل فكرة وجوب تجنّب أسعار الفائدة بأي ثمن، إضافة إلى قيامه بتوظيف سلسلة من البيروقراطيين الأقل كفاءة، من بينهم على سبيل المثال صهره براءت البيرق كوزير للمالية والخزانة.

يبدو أن أردوغان قد بدأ الاعتراف بالمشكلة بعد وقت متأخر، حيث بذل وزير المالية التركي الجديد محمد شيمشك، منذ تعيينه في أوائل حزيران الماضي، جهوداً كبيرة للإشارة إلى القطيعة التامة والكاملة مع الماضي، متعهّداً بإعادة البلاد إلى مسار اقتصادي أكثر “عقلانية”. لكن جميع الأتراك يدركون أن التحدي الذي يواجهه القيصر المالي الجديد للبلاد هو تحدّ كبير، وأن نجاحه ليس مضموناً. وهذا الوضع جعل الأتراك يأملون في السخاء الأجنبي، وكما قال أحد رجال الأعمال في اسطنبول: “الكثير من الناس يعتمدون على فكرة أن الغرب لن يسمح لتركيا بالفشل”.

لكن على ضوء خلفية حرب قارية جديدة في أوروبا، يمكن الاتكال على الحكومات الغربية لمحاولة تجنّب انهيار ثاني أقوى عضو عسكري في الناتو على غرار انهيار أمريكا اللاتينية بأيّ ثمن، لكن بات من الواضح بالفعل أن صحّة الاقتصاد التركي وتعافيه هي من سيقرّر أكثر من أيّ شيء ما إذا كانت ولاية أردوغان الثالثة وإرثه ناجحة أم فاشلة.

عناية ناصر