موفق مخول.. بين الكلمة والريشة
أمينة عباس
تحت عنوان “بين الكلمة والريشة” حلّ الفنان التشكيليّ موفق مخول ضيفاً على فرع دمشق لاتّحاد الكتّاب العرب بمرافقة الشاعرة هيلانة عطا الله، وذلك ضمن لقاء أداره الأديب صبحي سعيد والذي يأتي كما صرّح د. إبراهيم زعرور رئيس الفرع ضمن محاولة فرع دمشق لاتّحاد الكتّاب العرب تقديم أنشطة نوعية يطرح من خلالها أفكاراً جديدة وتقديم مبدعينا بالصورة التي تليق بهم، في حين أكد صبحي سعيد أنه حرص على أن يكون اللقاء حواراً مفتوحاً مع الجمهور لتعميم ثقافة الحوار في حياتنا الاجتماعية والفكرية والثقافية، وكذلك لإتاحة الفرصة للجمهور لمناقشة إبداعات الضيفين وتجربتهما المهمّة التي من الضروري الاستفادة منها، خاصة وأن موفق مخول قامة مهمّة في الكتابة والفن التشكيلي والتربية الفنية، والشاعرة هيلانة عطا الله معروفة بإبداعها الشعري والنقدي.
الفن والأدب حالتان وجدانيتان
لا يتوقف موفق مخول كثيراً عند التسميات حين يوصف بالفنان أو الكاتب، كما لم يعتبر في ردّه على الأسئلة التي وجهت له أن الكتابة قد تكون حكراً على الأدباء وأن الرسم حكر على الفنان التشكيلي، مشيراً إلى أن كل إنسان يبحث عن طريقة تناسبه ليعبّر عما بداخله أو ما يريد قوله، وهذا ما يفعله هو كإنسان محبّ للحياة والجمال، لذلك مارس الكتابة إلى جانب الرسم، وهو مؤمن أن الفن والأدب حالتان وجدانيتان، وأن الفنانين والأدباء يعزفون على وتر المشاعر الإنسانية، وأن أغلب الفنانين التشكيليين في العالم كانوا أدباء بطريقة معينة، ففان كوخ الرسّام كان كاتباً وقد رحل تاركاً ما يُقارب ألف رسالة كتبها إلى أخيه وأُنجزت عنها أفلام كثيرة كانت برأيه أهم من لوحاته، وكذلك فاتح المدرس الذي جمع بين الكلمة والريشة، فكان قاصاً وشاعراً، في حين أن جبران خليل جبران الذي عُرف ككاتب وصلت أعماله إلى نحو 700 لوحة، ليؤكد مخول أن كلّ مبدع يعبّر بطريقته، فمنهم من يختار الكلمة، ومنهم من يختار الريشة، ومنهم من يختار الاثنين معاً، مع إيمانه أن الإبداع مستمر طالما أوجاع وآلام الناس قائمة، منوهاً بأن الكلمة تبقى أكثر قراءة من اللوحة لأنها واضحة ومباشرة، في حين أن قراءة اللوحة تحتاج إلى ثقافة عميقة، مع قناعته التامة أن الإبداع سواء بالكلمة أو باللون ينطلق من المعاناة، حيث يترجم المبدع وجعه وألمه ويواسي نفسه بالتعبير عنها بالطريقة التي يتقنها، مشيراً إلى أنه وُلِد وعاش في أسرة كبيرة وفقيرة، ومارس الكتابة الساخرة للتخفيف من معاناته في الحياة، وأسعده جداً أن الناس أحبّت ذلك، متوقفاً عند مرحلة الطفولة: “من ليس لديه ذاكرة طفولة لا يمكن أن يبدع”، فهي الرصيد الذي يستقي منه المبدع إبداعه، وإذا حافظ الأديب أو الفنان برأيه على طفولته ونهل منها فإن إبداعه يصبح أجمل، أما إذا تخلى عنها فإنه سيتحول إلى إنسان جدّي وسيفقد الكثير من إبداعه لأن الإبداع مبنيّ على البراءة والصراحة والصدق، وهذه الأشياء لا يمكن أن يتمتع بها المبدع إلا إذا امتلك مخزوناً كبيراً من طفولته، منوهاً بمشاريعه كالمركز التربوي للفنون ومتحف العلوم والمكتبة التربوية واللوحات الجدارية التي أنجزها ليُشعِر الناس بأهمية الفن بعد الدمار الذي شهدته مناطق كثيرة، وكذلك خلق حوار بَصَري بين العمل الفني والمارَّة، بعيداً من العُنف والظلامية، متوقفاً عند مشروعه “إيقاع الحياة” الذي أنجزه مع بداية الأزمة السورية مع فريق تطوّعي بدافع حبّ العمل الفني الجماعي ونشر الثقافة البصرية وتوظيف الفن في خدمة الشارع لنشر الفرح وإرادة الحياة والذي أثمر عدة جداريات زيّنت شوارع دمشق، وقد أنجز بعضها من قبل الفريق وكانت القذائف تنهمر عليهم ولم يفكر أحد منهم بترك عمله، وهم بذلك جسّدوا مفهوم الوطنية بأجمل معانيها برأيه، وقد شكَّل دخول جدارية “إيقاع الحياة” الثانية على أوتوستراد المزّة موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأكبر لوحة جدارية للفن المُعاصِر المحطّة الفاصِلة في مسيرة الفريق.
المبدأ والغاية واحدان
وأشارت الشاعرة هيلانة عطا الله التي قرأت في اللقاء مجموعة من قصائدها إلى أن الرسام يعبّر بالألوان، في حين يعبّر الشاعر بالكلمة التي يسكب من خلالها فكره ورؤيته بقالب جمالي يؤدي الغاية المرجوة منه في أن يؤثر بالمتلقي، ورأت أنه كما يكون لدى الشاعر مخزون متراكم عبر سنوات قد تطول وقد تقصر ويخرجها إلى العلن من خلال الشعر، كذلك يفعل الفنان التشكيلي لتبقى الغاية مشتركة بين كل الفنون في أن يوصل المبدع فيها ما يريده إلى الآخر بأساليب فنية مختلفة، معلنة عطا الله اتفاقها مع موفق مخول في أن المعاناة هي التي تخلق الإبداع، مشيرة إلى أن أحد المستشرقين الأجانب وبعد أن زار أقطاراً عربية كثيرة واطّلع على النتاج الشعري للعرب خرج قائلاً: “لم أر أماً بكت في شعرها كما بكت الأم العربية”، موضحة أن المبدع رهيف الإحساس ولديه فراسة ويمتلك موهبة القدرة على التعبير عن همومه وهموم الآخرين، وأن جميع الفنون من شعر وموسيقا ورسم تتفق من حيث المبدأ والغاية، “غايتها الإنسان” ولكنها تختلف من حيث الأساليب التعبيرية، منوهة بأن دستور الجمهورية العربية السورية في أحد مواده أعطى أهمية كبرى للعالم الفكري والإبداعي، متمنية من الجهات المعنية تفعيل هذه المادة بأن تعطي المبدع حقه ولو بالحدود الدنيا.