الشوندر السكري بين لاءات التسويق والتصنيع وإرهاصات الزراعة.. من يدفع الفاتورة أولاً؟
محمد العمر
ليس هناك من خاسر بالتأكيد أكثر من الفلاح، وخاصة بعد التخبّط الحاصل بالقطاع الزراعي والمعاناة المستمرة من الخسائر المتتالية، والخيبات فيما آلت إليه النتائج والأمور، فبالأمس كان محصول الذرة وما وصل إليه من فشل في التسويق بحجة عدم وجود المجففات، واليوم محصول الشوندر السكري وما يتكبده من خيبات بعد تحوّله إلى علف للمواشي بذريعة عدم الجدوى الاقتصادية من تشغيل معمل السكر، لعدم توفر الإنتاج الكافي، مما يعني عبئاً جديداً على كاهل الاقتصاد الوطني، وما سيتركه من ندبات وآثار سلبية على الزراعة بالفترة المقبلة. والقصة بدأت بعد قطع الوعود للفلاحين بزراعة الشوندر السكري، وتقديم الدعم لهم عبر استلام الإنتاج كاملاً، ليتفاجأ هؤلاء بعد عدة أشهر أنه لا تسويق هناك، ولا تصنيع ولا تشغيل للمعمل هذا العام، فكانت هنا الصدمة فيما حدث، والتساؤل من سيشتري المحصول منهم؟!.
الاعتراف بالخطأ..!
الغريب أن وزارة الزراعة تعلم جيداً أن إحجام الفلاح عن زراعة محصول الشوندر السكري لم يكن عن عبث، فالإحجام له مسوغاته المنطقية -حسب قولها- وأنه من غير العادي أن يقبل الفلاح بزراعة محصول لا يحقّق له ريعية اقتصادية مقبولة، مما جعل وزارة الزراعة تعيد حساباتها لمعرفة الأسباب التي أدّت إلى عزوف المزارعين عن زراعة المحصول، مما يستدعي المعالجة السريعة قبل فوات الأوان. ووفق مدير هيئة تطوير الغاب المهندس أوفى وسوف، أظهر محصول الشوندر السكري هذا العام تراجعاً واضحاً بزراعته نتيجة عدم جدواه والاهتمام به من قبل الفلاحين، وخاصة بعد ارتفاع التكلفة أضعافاً مضاعفة ابتداء من الزراعة وحتى القلع، وتوجههم إلى زراعات أخرى أكثر جدوى مثل القمح والشعير وغيرها، خاصة وأن دورة رأس المال للشوندر السكري تستغرق عاماً كاملاً، وهذا ما يشكل عبئاً كبيراً على المزارع، لافتاً إلى أنه تمّ التعاقد بين المزارعين وشركة سكر تل سلحب على 1332 هكتاراً، زُرع منها فعلياً 855 هكتاراً فقط، ضمن تقديرات إنتاجية دون 40 ألف طن، وهذا الرقم وفق رؤية وزارة الصناعة ليس مشجعاً لتشغيل معمل تل سلحب، كونه لا يحقّق جدوى اقتصادية، ما يعني تحويل المحصول لعلف للحيوانات، والالتزام بدفع ثمنه للفلاح. وأشار وسوف إلى ما حصل العام الماضي، حيث تمّت زراعة مساحات كبيرة وواجهت خلالها ظروفاً مناخية قاسية، من تأخر الأمطار والصقيع تالياً، ليتعرّض قسم من الأراضي للتلف، ما يعني أن ثلث المحصول فقط كان سليماً، وقُدّرت الكميات حينها بـ59 ألف طن من مادة السكر.
بدوره مدير عام معمل سكر سلحب المهندس مدين العلي لم يخفِ القول بأن محصول الشوندر السكري لم يعد مهماً عند الفلاحين، نظراً للتحديات التي واجهوها منذ البداية، أي منذ إقلاع المعمل قبل عامين وتوقفه لسنوات طويلة، ليتمّ تحويل الشوندر السكري علفاً للمواشي، وتكليف المؤسسة العامة للأعلاف باستلام الإنتاج وتسديد قيمته للمزارعين، لكن الذي حدث أنه حتى مؤسسة الأعلاف، واتحاد الفلاحين ومديريات الزراعة رفضت استلام المحصول، ما جعل الشركة تخضع الشوندر السكري للمزادات العلنية لمن يرغب بشراء المحصول مقطعاً من أرض الشركة وتقديمه علفاً للثروة الحيوانية، وما حدث أن المزاد لم يتقدم إليه أحد وسيكون هناك مناقصات بعد أسبوعين، والشركة -كما يذكر العلي- ملتزمة باستلام الإنتاج من المزارعين بعد أن أبرمت العقود معهم، حيث تصل قيمة المحصول إلى ١٤ مليار ليرة.
وعن عزوف الفلاحين عن الزراعة، أوضح العلي أن المزارعين واجهوا صعوبات كبيرة في زراعتهم للشوندر السكري، خاصة وأنه لم يقدّم لهم أي شيء من الدعم من المحروقات والسماد، حتى أن تسعيرة شراء الكيلو٤٠٠ ليرة غير محفزة وغير مشجعة، وهذا ما أخرج زراعة الشوندر من قائمة الأولويات، مؤكداً جاهزية الشركة فنياً لعملية تقطيع الشوندر لمن سيحصل على المزاد، وببيعه علفاً للمواشي.
الفلاح في ورطة
واتفق الخبير الاقتصادي محمد القاسمي مع غيره على أن الفلاح اليوم بات في ورطة مما سيزرعه في الفترة المقبلة، خاصة وأن معاناة التسويق باتت كابوساً ترافق المنتج من البداية حتى النهاية، فما حصل بمحصول الشوندر السكري يستلزم من الحكومة إعادة الحسابات من الإيفاء بالوعود وتقديم الدعم والمستلزمات الزراعية.
وحسب قوله فإن المزارعين أحجموا هذا العام عن زراعة الشوندر جراء عدم دعمهم بما يكفيهم من المحروقات والسماد من ناحية، والارتفاع الذي طرأ على أجور العمالة والآليات كالفلاحة.. وغيرها من ناحية أخرى، ما يجعل قيمة التكلفة تفوق بشكل كبير سعر الشراء وهو ٤٠٠ ليرة للكيلو الواحد. وعلى سبيل المثال الفلاح في سهل الغاب والذي أبرم عقداً مع المعمل في تل سلحب اشتكى من عدم إنبات بذار الشوندر الذي تسلموه من المصارف الزراعية وذلك بسبب سوء البذار، ولكن لا حياة لمن تنادي، وجاءت الظروف المناخية في العام الماضي، من جفاف وصقيع، لتقضي على الإنتاج، ليكون الموسم الحالي فاشلاً منذ البداية بعد عزوف الكثير من الفلاحين عن الإنتاج نتيجة ما حدث مؤخراً!.
وبيّن الخبير أن اللجنة الاقتصادية بمجلس الوزراء أوصت في رؤيتها بعدم كفاية الإنتاج للتشغيل في المعمل، ولابد من تسليم المحصول للمؤسسة العامة للأعلاف هذا العام، ما يعني إيقاف العمل بحجة عدم الفائدة من التشغيل، والضربة القاصمة اكتملت بعد رفض مؤسسة الأعلاف استلام المحصول.
وأوضح القاسمي أنه، رغم ذلك، لا أحد يعرف ما سبب رفض مؤسسة الأعلاف استلام كميات الشوندر رغم حاجتها لها من ناحية، وموافقة وزارة المالية على تغطية فرق السعر المحدّد بـ 400 ليرة للكيلو الواحد وبين السعر الذي سيتمّ الاتفاق عليه في المزاد العلني، ما يتيح المجال للقطاع الخاص بالدخول وإزالة الهمّ عن الصناعة والزراعة ومعمل السكر، من دفع الفاتورة الباهظة من استيراد البذور والتي تكفي لثلاث سنوات، وفائضة عن الحاجة. وتؤكد المعلومات أن هناك كميات كبيرة تفوق 10 آلاف طن من البذار استوردت في العام ٢٠٢١ زائدة عن الحاجة، وتنتظر أن يشتريها الفلاح لزراعتها في الموسم القادم بعد خيبة الأمل التي مُني بها من الجهات المسؤولة، ونعتقد أن هذا عبء جديد سيضاف إلى مؤسسة السكر ومعمل سكر تل سلحب.
ليس غريباً..!
وبسبب التخبّط في السياسات الزراعية وعدم التخطيط المنظم – كما يرى الخبير التنموي أكرم عفيف – ليس من الغريب أن يتحوّل الشوندر السكري، ثالث المحاصيل الإستراتيجية المهمّة لدينا بعد القمح والقطن، إلى علف للحيوانات، والنتيجة كانت بعد تقديم الوعود بالدعم للفلاحين عدم جدوى تشغيل المعمل السكر بتل سلحب، اقتصادياً، بسس عدم كفاية إنتاج المساحات المزروعة، وهذا الأمر – حسب قوله – ليس وليد العام، بل منذ سنوات تراجعت خلالها زراعة المحصول، وخاصة في منطقة الغاب بنسبة كبيرة جداً تصل إلى 80% ما أدى إلى إحجام المزارع عن العمل بالمحصول، وبالتالي كانت النتائج سيئة بعدما تحوّلت اليد العاملة إلى الخارج وهجرة من كان يعمل بالأراضي، مبيناً أنه لو قدمت الدولة، قبل عامين أو أكثر، الدعم للمزارع بشكل مناسب، لكان الوضع مختلفاً ولبقي الفلاح بالأرض واستمرت الزراعة بالشكل المرضي.