ثقافةصحيفة البعث

مواقف ثقافية غير مضحكة

نجوى صليبه

سوء تقدير.. 

ولا نعني بـ”سوء التّقدير” فشل الحسابات الماضية أو المستقبلية، بل الحالية أيضاً، ونحدّد قصدنا أكثر ونتحدّث عن سوء تقدير أدباء يستحقّون أن يقدّمهم لأمسية أو ندوة أو نشاط ثقافي أكثر من “إعلامية” أنتجتها الحرب، وتاريخها الإعلامي لا يذكر أبداً سوى أنّها كانت موظّفة إدارية في إحدى القنوات التّلفزيونية ومع إدارتها السّيئة لجلسة أو جلستين أدبيتين في أحد المراكز الثّقافية أطلق عليها بعض أصدقائها وصديقاتها لقب “الإعلامية الفذّة”.

وفي مقابل ذلك، كان سوء تقدير آخر من أدباء مخضرمين تنطّحوا لإدارة حفل توقيع كتاب “شاعرة” لن أبخسها مكانتها في مجالات أخرى لم تخضها، لكن أقول ربّما تفلح فيها، أمّا في الشّعر فأكاد أجزم أنّها في قرارة نفسها تدرك سوء ما تكتب وسخفه.

ماذا يعمل هذا الرّجل؟..

علا صوت رجل من بعيد، وهو يوبّخ أحد العاملين في المسرح وينعته بقلّة الذّوق والأدب، من دون أن يقدّر كبر سنّه، مع العلم أنّ الموظّف لم يفعل شيئاً سوى أنّه أدّى العمل الرّوتيني المطلوب منه وهو تنظيم جلوس الجمهور في الصّفوف وعلى المقاعد، أمّا عدوانية الرّجل فكان سببها أنّ الموظّف طلب منه الجلوس في الصّف الثّاني عوضاً عن الأوّل المخصّص للضّيوف.

“ماذا يعمل هذا الرّجل؟”.. سؤال طرحه شابّ في مقتبل العمر، فأجبته: “بالنّسبة إليّ، أخجل أن أجيبك؟”، وعندما كرر السّؤال ثانيةً، أجاب أحد الزّملاء قائلاً: “صحفي لا تقرف”.

في إلغاء الآخر..

لا أدري ما الذي يدفع حديثي العهد في المجال الفنّي ـ على اختلاف مجالاته ـ أو الثّقافي أو الأدبي إلى إلغاء جهود من سبقهم وتجاربهم بغضّ النّظر عن درجة تأثير هذه الجهود.

ولا يبدو هذا الأمر حدثاً آنياً أو طارئاً أو موقفاً حدث وانتهى، لأنّه يتكرر مع ولادة أشخاص جدد في مجال ربّما لا يعرفون شيئاً عنه وعن النّاشطين أو العاملين فيه، أو قد يعرفهم ولكنّه لسبب ما ينسف كلّ ما اشتغلوه ويشتغلونه، وسأدعّم قولي بمثالين لا أكثر وعليهما نقيس في المجالات الأخرى.

منذ سنوات وفور الإعلان عن نيّتها إخراج عرضها المسرحي الأوّل، قالت المخرجة الشّابة: نحن ليس لدينا مسرح، وعملي هذا خطوة في طريق النّهوض بالمسرح السّوري.. أمّا الأمر الذي عرفناه لاحقاً فهو أنّها تسير على خطا والدها الفنّان المخضرم الذي هجر المسرح منذ زمن وما يزال يردّد: “اشتغلوا مسرحاً لكي نتكلم مسرحاً”.

وفي السّينما أيضاً: ومنذ ما يقارب العام، أقام بعض الشّباب الهواة مهرجاناً للأفلام القصيرة جدّاً التي مثّلوا فيها وأخرجوها وكرّموا أنفسهم أيضاً في النّهاية، كلّ هذا يبقى ضمن الإطار العادي، لكن أن يقول المخرج الشّاب الذي بالكاد صرنا نسمع باسمه إنّ هذا الحضور الكبير هو خير دليل أنّ أهداف نشاطنا السّينمائي قد تحقق وإنّ البوصلة السّينمائية والشّبابية قد عادت إلى رشدها، طبعاً ولن أعيد الحديث هنا عن طبيعة الجمهور وكيف يفكّر ولا عن الدّور الفظيع الذي تلعبه العلاقات العامّة والمصالح المشتركة والشّللية!!.