للدار.. ولفجرها الآتي تحلى الغنية
سلوى عباس
بكل بهائها وألقها حضرت جبلة على مدرجها الأثري الذي استعاد عبقه التاريخي وعبق الحضارات التي مرّت عليه، ليعيش أهالي جبلة ونعيش معهم أمسية من نشوة الحب والمتعة عبر احتفالية إذاعة “شام إف إم” التي أقامتها احتفاء بميلادها الـ”16″ برعاية وزارة الثقافة، فتاهت الكلمات والأحاسيس ونحن نرى أبناء جبلة وقد ملؤوا المدرّج وشكلوا عقداً من لؤلؤ المحبة، احتلّ كادر “شام إف إم” المتميز إدارة وعاملين واسطة هذا العقد، وكان كورال “تناغم” بإدارة المايسترو غادة حرب “الماسة” التي زيّنت هذا العقد، حيث تناغمت الأغاني التي قدّموها مع عنوان الاحتفالية ومضمونها، فقدموا أغاني مزجت ما بين التراث والمعاصرة كتحية للفن السوري ولفنانين أبدعوا وسكنوا في الذاكرة والوجدان، وكانت هذه الاحتفالية تتويجاً لأيام احتفالية سبعة عاشتها “شام إف إم” توزعت على مجالات متنوعة، شملت الثقافة والفن والإعلام والاقتصاد والسياسة والمجتمع، وقد اعتاد مديرها ومؤسّسها الأستاذ سامر يوسف في كلّ عيد للإذاعة أن يكشف عن إنجاز جديد يضيفه إلى ذلك المشروع الإعلامي الوطني، وكان إنجاز هذا العيد إطلاق مشروع تغطية جميع الأراضي السورية بمحطات بث ستعمل على التردد 92.3، إلى جانب تردّد احتياطي 101.8، مع إيقاف كل التردّدات الأخرى القديمة، وهذا المشروع كما صرح مدير الإذاعة: “يفتح آفاقاً جديدة للبرامج المحلية التي تهتمّ بأحوال كل محافظة على حده، أي أن التردّد العام سيبث البرامج الموحدة لكل المحافظات، والتردّد الاحتياطي بكل الأراضي السورية أيضاً سيبث البرنامج الرئيسي لـ”شام إف إم”، بالإضافة لبرامج خاصة بكل محافظة”، وأضاف أن هذا المشروع يراعي أن يكون قسم من المحطات الجديدة عاملاً على الطاقة البديلة، بهدف التغلب على أزمة الوقود، لضمان عدم انقطاع البث.
هكذا تجلّت جبلة في تلك الأمسية التي تميّزت بجماهيريتها بعيداً عن الاعتبارات الرسمية وبروتوكولات المسؤولين، وشباب “شام إف إم” الذين تجلوا أمامنا صوتاً وصورة كانوا يتلون علينا رسائل المحبة والسلام بأرواحهم التي سكنها شغف العطاء، وهيام الغائبة الحاضرة كانت روحها تهيمُ في المكان، قلبي يصافح قلبها وصدى صوتها يتردّد في روحي.. كانت جبلة في هذا اليوم فسيحة القلب كالسماء تضمّ أرواح أبنائها إليها كما أغنية تبثّ بحروفها أفراحهم وآلامهم، مدينة تشعل الوجدان بالأريج الطيب والوداعة الفريدة بلحن موسيقي يضوع في الروح بشذى نشوة مفتقدة.. جبلة التي استفاقت في ذلك اليوم على نسائم الفن والفرح تعجن الخبز لأبنائها وتعتق مساءاتهم بالنبيذ، ترسم لقلوبهم لحظات توهجها وتزينها ببوح الياسمين، فيعشقونها ويكتشفون فيها أمكنتهم وملكوتهم الصغير، يتوقون لنشاطات وفعاليات تتجسّد واقعاً من حلم وجمال، وحين يتبدى هذا الحلم يسقط الضوء عن النجوم، وتورق أشجار الزيتون بقصائد لقاءاتهم، لترتسم في وجدانهم ملامح زمن رتبوه بإرادتهم، وفضاء زينوه بأمانيهم، ونثروا فيه أفراحهم وأوقدوا على مرجه احتفالاتهم، وسقوه ودادهم العذب وأمنياتهم، جبلة التي علقت على سحابات الحزن معاطف أبنائها العابقة أرواحهم برائحة الأقحوان المندّى بدماء شهداء قضوا في كارثة فاجأتهم فجيعتها ولم تُشفَ أرواحهم بعد من قسوة حرب شرسة تجاوزت الاثني عشر عاماً، وقد رحل هؤلاء الشهداء وهم على يقين أن حلمهم الذي كانوا يحلمون به سيزهر فرحاً يرتسم على وجوه أطفال أرقهم اليتم.
لقد جسّدت هذه الأمسية التي اختتمت “شام إف إم” احتفاليتها بها ثقافة الإرادة الإنسانية التي تعلو على كل الثقافات الجزئية، في لفتة جميلة وبهية لهؤلاء الناس المتقدة قلوبهم بشعلة الإيمان والأمل على تجاوز محن الحياة، لأنهم هم من يملكون القدرة على صياغة فجر سورية الآتي بإرادة وتصميم على مواجهة كل التحديات، وليوفوا وعدهم ونذرهم بأنهم يمتلكون مقومات الحلم والإرادة وسرّ الحياة، وأنهم لازالوا مفعمين بالعطاء ومستعدين لتقديم كل ما يملكون في سبيل أن تبقى راية سورية خفاقة في سماء الكرامة الإنسانية، فالمواطن السوري يدرك معنى الحياة التي تجمعه مع الآخر النقيض له بأفكاره وسلوكه وحتى نظرته للحياة وأسلوب تعبيره عنها.
سورية.. أنت السر الإلهي لكل سوري آمن بك، نبدأ صباحنا باسمك، نترنّم به ونعيش مع سحره فيصبح نداؤه بلسمنا ودواءنا في كل زمان ومكان، وبدون الأمكنة والأزمنة، سنبقى معك إلى نهاية العمر، نحن أبناؤك نستغفرك ونطلب منك أن تهبينا بعض قوّتك وكبريائك وتعيدي تكويننا وخلقنا زهوراً تليق بروحك واسمك. فصباح الحب والأمل لتلك الوجوه الطافحة بالبشر والتفاؤل التي كانت تتزاحم على أدراج الفرح ليسمعوا ويعيشوا عبر احتفالية إذاعة “شام إف إم” نشيداً مختلفاً للحياة، فكانوا نموذجاً لكل أبناء سورية الذين يتحفوننا في كل مرة بفلسفة جديدة للحياة، وليعيدوا لنا ثقتنا بالغد، فلا تكسرنا الريح ولا يذوّبنا المطر.